باور بريس

دكتور عبدالله العوضي يكتب: النووي الإيراني.. “ هجمة مرتدة “ للغارة ؟!

باور بريس

 

انتهت حرب إسرائيل على إيران في أيام معدودات ، و لكن ارتدادها لم ينته بعد ، فهي ممتدة في " النووي " إلى سنة 2040 ؟! 
السلاح الوحيد إلى حين ذاك الزمن هو " الصبر الإستراتيجي " و سلاح إسرائيل و معها الغرب كله + أميركا بالطبع " الغموض الإستراتيجي " ، ترى أي صبر هذا الذي يملك الغلبة على خطوط هذا الغموض و تعرجاته ؟! 
لقد عاش العالم من حولنا منذ أكثر من عشر سنوات " عجاف " و دقات ساعة الزمن الضائع و دقات القلوب تقلق مرة ، و تحذر مرات ، بسبب التهديدات و المناورات العنترية ضد الغرب و الشرق الأوسط ، و الخليج العربي على وجه الخصوص لأن إيران " الثورة " في جلباب الجمهورية لم تعالج مشكلات " الشاهنشاهية " التي انقلبت عليها و على كل من حاول التخفيف حدة ثورانها ؟! 
العالم بكل تناقضاته ، يرغب في إيران الدولة الطبيعية في سلوكها السياسي و تفاهماتها مع الجيران ، بل أبعد من ذلك حتى حدود " اللاتين " 
هذا اللف و الدوران حول نظرية " الأمن القومي " كلما لا حت سياط العقوبات ، لم ينفع إيران ، و خاصة عندما قصفت إسرائيل و أميركا من خلفها " طهران " التي لم تدافع عنها بقصف " تل أبيب " على أساس " العين الحمراء ، بالعين السوداء " !
بل عادت إيران  إلى نقطة " الصفر " من جديد ، و لكن هذه المرة على " الشمال " فالعقوبات تسلخ ظهر طهران مرة أخرى ، و لأول مرة تقف أوروبا و أميركا و معهما إسرائيل بالطبع على مسافة واحدة من الملف " النووي الإيراني " ، و مطلوب من العالم انتظار حلول العام 2040 ، على الأرض بسلام ؟

إيران حاجة .. أم جائحة ؟!

عادت إيران إلى الوراء لأكثر من عقد و كأنها تعيد إنتاج نفسها ، مع اختلاف كل الظروف المحيطة بالعالم من حولها .
كرة النار عادت للتدحرج في منطقة الخليج و هو ما تحاكي أجواء حرب الخليج الأولى و لكن بمستجدات مختلفة عن سابقتها .
لسنا بالمطلق مع الحروب من أي صنف كانت ، لأنها تشفي غليل أشخاص لا قِبَل لهم بها ، و تحقق مصالح دول  لا تراعي دمار الأمم ما دامت هي في منجاة منها و إن كانت السبب في إشعالها .
فإيران ليست استثناء من ذلك فقد خاضت حرب الخليج الأولى و لم تجن على نفسها غير البراقش ، و اليابان مثلها عندما و ضعت رأسها برأس أميركا ، ضيقت عليها شرايين اقتصادها في الحرب العالمية الثانية ، فقررت اليابان أن تشارك النازية حربا ضد أميركا .
فكانت التيجة تركيع  اليابان في هوريشيما و نجازاكي ، ومن ثم تناست  شيئا اسمه الحرب ، فاستبدلتها بالتنمية المستدامة و منافسة العالم على الإقتصاد بالإبتعاد عن وحل السياسة ، فلم لا ترغب إيران في أن تحذو حذو  اليابان بالمنطقة و بالمنطق ؟!
بعد معركة " بيرل هاربور " كان تعليق إمبراطور اليابان آنذاك : " أخشى أنكم قد أيقظتم أسدا نائما " .
لكن الفرق بين إمبرطور اليابان و " إمبراطور " فارس أنه أخذ من التاريخ ثاره و لن يلتفت لعبره ، بل عبر بثاره إلى ضفاف أخرى يعبث فيها و ينفخ في مفاصلها سموم الطائفية و الشعوبية و المذهبية .

من الثورة .. إلى الدولة!

آن الأوان لكي يتخذ المرشد و ليس غيره ممن لا حول لهم و لا قوة قرارا بإعادة " الثورة " إلى حاضنة الدولة الطبيعية ، فثورات البراكين تستكين و زلازل الأرض تهدأ وتلين فلم ثورة إيران لا بد أن تستمر بأربعين و أكثر من السنين ؟!
لقد اختلط حابل إيران بنابلها في هذه اللحظات الفارقة من تحديات الخارج و الداخل و هي الأخطر ، الحكومة تطالب مرة أخرى الشعب الإيراني بالمزيد من التضحيات في الوقت الذي انخفض قوته الشرائية 75% و نسبة التضخم تورمت إلى 50% ، بالمقابل العملة أو التومان و هي العمود الفقري لأي اقتصاد يخشى عليها الوصول إلى ما وصلت إليها الليرة اللبنانية في سنوات الحرب السوداء ، بحيث زاد سعر ورق الجدران عن الليرة فاستخدمت هي ورقا للحيطان .
هل أميركا جادة في محاربة إيران ، فالنستمع إلى جون بولتون عن طرق هذه الطبول الناشزة : ستواصل الولايات المتحدة ممارسة أعلى درجات الضغط على النظام الإيراني حتى يقرر رأس النظام تغيير سياساته المدمرة واحترام إرادة الشعب الإيراني والعودة إلى طاولة الحوار .
و قال ريتشارد هاس في 2023 : "الإدارة الأميركية تحاول طحن إيران، نعم يحققون نتائج اقتصادية ولكن هذا النظام لن يذهب إلى أي مكان، وهذا النظام علينا ألا ننسى أن لديه العديد من الوسائل للرد ودفعنا، هم يتحدثون الآن عن الخروج من الاتفاق النووي ويمكن أن يخرجوا من معاهدة الحد انتشار الأسلحة النووية، يمكنهم مطاردة الجنود  الأميركيين في العراق ويمكنهم التصعيد في سوريا، إيران لها العديد من الأدوات، سيبيرية وإرهابية وعسكرية ودبلوماسية، ومن وجهة نظري يجب علينا عدم الاستهانة بهم" .
أما في 2025 ، قلب الغرب الطاولة على رأس طهران من الداخل ، بعد أن قطعت إسرائيل أذرعها في لبنان و سوريا و اليمن و العراق و لازال السيل على الجرار في بقية البلدان ؟!

جرة .. قلم ؟!

تسع مرات يحاول ترامب و في فترة زمنية قصيرة من بعد فرض العقوبات الصارمة والحازمة حتى إيصال إيران إلى الصفر في تصدير النفط .
ويشكل النفط قرابة 40% من إجمالي الناتج الإجمالي لإيران ، وهي نسبة كبيرة و لا يستهان بها وهي التي تعاني من هذه العقوبات منذ أكثر من أربعة عقود وكان أمل النظام معقودا على نجاح الإتفاق النووي ، ولكن أميركا ترامب خيبت آمالها بجرة قلم لتعود مشكلة إيران نووية غير سلمية  إلى نقطة البداية بعد أن ضاعت عشرة أعوام من عمر المباحثات في ( 5 + 1 ) أدراج الرياح  الأميركية .
و بناء على هذا الوضع تتساءل مجلة " نيويورك " لماذا توافق إيران على التخلى عن الممارسات التي يستخدمها منافسوها وأعداؤها بشكل روتيني ، وأن مخاوف إدارة ترامب من دعم إيران للمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط مشروعة تماما .
إلا أن المرشد الإيراني الذي بيده كل مفاصل الدولة وليس كما قد يظن البعض من مناورات الحكومة مع دول الإتحاد الأوروبي لكسر شوكة وحدة العقوبات الأميركية على طهران .
وقد منع خامنئي مرات عديدة إجراء أي محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية ، وحمَّل الحكومة الإيرانية ذاتها مسؤولية سوء الإدارة في البلاد والذي أضر بالإقتصاد أكثر من العقوبات الأميركية .
هذا الذي تريد أميركا ومعها الغرب اللعب السياسي والإقتصادي لتغيير بوصلة النظام لتعديل سلوكه عبر حزمة جديدة من العقوبات .


إيران - روسيا و بناء 8 محطات نووية ؟!

قيامة العالم قائمة ضد إيران على المنشآت الحالية و التي لم تسلم من القصف و العصف ، لا نعرف  لماذا يكون الرد على ذلك الوضع بمزيد من المحطات ؟! 
أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية : أن طهران وموسكو ستوقعان خلال الفترة المقبلة اتفاقية لبناء 8 محطات للطاقة النووية ضمن خطة طهران للوصول إلى 20 جيجاوات من الطاقة النووية بحلول 2040. و أوضح بأن أربع محطات من أصل ثماني ستُقام في «بوشهر»، حيث توجد المحطة النووية الوحيدة العاملة حاليًا، والتي شيدتها روسيا بطاقة إنتاجية تبلغ واحد جيجاوات.
أكد «إسلامي» اكتمال جميع الدراسات والمفاوضات اللازمة للمرحلة الثانية من الاتفاق واختيار وتجهيز الأراضي المخصصة للمحطات، معلنًا أن التوقيع سيفتح الباب أمام بدء المرحلة التشغيلية. 
قرار مجلس الأمن الدولي (20 سبتمبر2025) بإعادة فرض العقوبات على إيران بعد تفعيل الترويكا الأوروبية «آلية الزناد» بسبب برنامجها النووي، يضع العقوبات قيد التنفيذ اعتبارًا من 27 سبتمبر 2025 . 
تهديد إيران بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حال إعادة فرض العقوبات، يضع اتفاق «القاهرة» الموقع بين طهران والوكالة ( 10 سبتمبر2025 ) على المحك، في ظل تهديدات  أميركية وإسرائيلية باستهداف البرنامج النووي الإيراني مرة أخرى.
يندرج الاتفاق في إطار معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين الرئيس الإيراني ونظيره الروسي ( 17 يناير 2025 )، والتي تشمل التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية لمدة 20 عامًا.
ستسفيد إيران من الخبرة الروسية في تطوير قطاعها النووي، بينما ستحصل روسيا على شريك استراتيجي مهم في الشرق الأوسط وفرصة لتوسيع نفوذها في الطاقة النووية عالميًا. 
تواجه إيران تحديًا في تمويل هذه المحطات وسط العقوبات المتجددة، لكن الشراكة مع روسيا قد توفر حلولاً بديلة عبر آليات للتبادل التجاري خارج النظام المصرفي الغربي والاعتماد على العملات المحلية.
يمثل الاتفاق رسالة قوية من الدولتين للغرب، بأن العقوبات لن تعرقل طموحاتهما النووية، ويعكس تحولًا في الموقف الروسي من داعم للرقابة الدولية إلى شريك في تطوير البرنامج النووي الإيراني. (  مركز الإمارات للبحوث و الدراسات الإستراتيجية- 23 / 9 / 2025 ) 
ما هي الرسالة المبطنة في قلب هذه المحطات المستقبلية التي تريد إيران إيصالها إلى كل من إسرائيل و أميركا و دول الترويكا الأوروبية التي زادت سقف " سناب باك " عليها من بعد استخدام إسرائيل القوة العسكرية لتعطيل برنامجها النووي قبل أن تصل إلى مرحلة القنبلة النووية كما كانت إيران بنفسها تلمح لقرب انتاجها كلما زادت من نسبة تخصيب اليورانيوم في محطاتها و منشآتها التي جعلت منها المشروع القومي الوحيد في المجتمع مهما دفعت فيه من قوت الشعب و ضرورات الحياة اليومية للفرد ؟!

" الضربة.. العسكرية "

لا نشك في أن إيران لم تكن على اطلاع بأن هناك " ردا عسكريا " ينتظرها، قبل الواقعة بشهور و مع ذلك نرى بأنها لم تحسن التدبير الذي يوازي نفوذها مع الجيران و الأشقاء من حولها ؟!
لم تحصل في تاريخ إيران " الثورة " المستدامة، أنها تعرضت في غضون عام واحد، أشهر متتالية لهجمات قاسية فقدت فيها معظم رجال جمهوريتها و على رأسهم الرئيس روحاني و طاقمه المقرب و المحشور في " الحوامة " .
و تلى ذلك اغتيال " هنية " ضيفها ، الذي لم تستطع تأمين سبل الحماية الضرورية و اللازمة له ، ثم جاء الدور على منشآتها النووية و هي آخر بقية من ماء وجهها،  فلم بيق لها غير هيكل عظمي لنظام لم يعد قادرا على حماية طهران ، و هي التي تمني العالم العربي و الإسلامي بتحرير القدس بعد أن سويت غزة بالأرض؟! 
في بداية العام 2025 , في نقطة زمنية حاسمة لإيران و ملفها النووي، أشار مسؤولون أميركيون و أوروبيون ( أكسيوس 6 / 1 2025 ) لمواجهة إدارة ترامب " أزمة إيران " بعام 2025 , و توقعوا تصدر الملف النووي الأجندة الأميركية، ( أكد وزير الخارجية الإيراني على أهمية عام 2025 للملف النووي )
وصول البرنامج النووي الايراني مرحلة متقدمة، يصعب معها الجزم بفاعلية سياسة الضغوط القصوى في تعديل السلوك الإيراني ، و بالتالي مواجهة إدارة ترامب مفترق طرق بعام 2025 بين الدخول في المفاوضات، أو دراسة احتمال " الضربة العسكرية " . (  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 1 / 9 / 202 )
بعد شهور قليلة أصبح هذا " الإحتمال " هو واقع الحال، الذي تسعى إيران لتغطية وجهها عن عجزها في تطبيق شعاراتها المخدرة ضد إسرائيل و أميركا؟! 
و كذلك تصريحات وزير الخارجية الأميركي كانت تعكس منحى استخدام القوة العسكرية لإجبار إيران على الرضوخ لمطالب المجتمع الغربي.
قال : بشأن احتمال مهاجمة إسرائيل برنامج إيران النووي: على إسرائيل التصرف دومًا وفق مصلحتها الوطنية
أي بمعنى أنها هي أدرى بتلك المصلحة من أميركا ، فلها الحق في اتخاذ ما تراه مناسبا و لو باستخدام القوة العسكرية الضاربة؟!
و ليس في السياسة ود و حب و عاطفة جياشة فعندما يقول أيضا : 
أود أن أسمع أخبارًا بأن إيران قرّرت عدم السعي للحصول على سلاح نووي لكن لم نتلق بعد أي إشارة ، و جهود إيران الدبلوماسية سابقًا مجرد محاولة لتمديد الإطار الزمني واستمرار تخصيب "اليورانيوم" (  سي إن إن - 17 / 2 / 2025 )
كل هذا الحديث كان تمهيدا أميركيا للعملية العسكرية التي نُفذت لاحقا ؟! 
بعد الضربة الاستباقية الإسرائيلية - الأميركية، استقوى الغرب على إيران أكثر و حجمت من نفوذها الذي طغى على سمعتها كدولة طبيعية.

الدبلوماسية .. الهامسة!

بالمقابل تم استدعاء صوت الدبلوماسية لإنقاذ ما يمكن انقاذه من إيران؟! 
أكّد وزير الخارجية الإيراني، أنّ الدبلوماسية تظلّ الخيار الأساسي لتسوية الملف النووي، بشرط ضمان مصالح إيران وأمنها في أي اتفاق، داعيًا الغرب إلى الاختيار بين "التعاون" أو "التصعيد".
التصعيد جرب أخيرا في حرب 12 يوم ، و ماذا أكثر ؟! 
النتيجة واضحة في تغير المناخ العالمي حول هذا الملف الغامض و يتأرجح منذ أكثر من عقد و سوف يستمر إلى عقد آخر، بين نووي سلمي أو حربي ، و على إيران اقناع العالم و لا أقول نفسها بأن السلم النووي هو ما تبحث عن حل عقدته في العقود المقبلة!
حذّرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، من اقتراب نفاد المهلة المتاحة للتوصّل إلى اتفاق يجنّب إعادة فرض العقوبات على إيران، مشيرةً إلى أنّ فرص التسوية تظلُّ "ضعيفة" و"غير مؤكدة".
شدّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، على أهمية تجنّب التصعيد السياسي في التعامل مع إيران؛ لضمان استمرار التعاون ومنع انسحابها من معاهدة "حظر الانتشار النووي"، معتبرًا أن الحوار مع طهران يواجه "منعطفًا صعبًا" لكنه سيستمر.
لم يبق سوى التعويل على روسيا  التي انتقدت هذا الوضع ، على لسان نائب وزير خارجيتها ، خلال لقائه سفيرَي بريطانيا وفرنسا والقائمة بالأعمال الألمانية لدى موسكو، محاولات الدول الأوروبية الثلاث إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، داعيًا إيّاها إلى وقف ما وصفها بـ"الاستفزازات" والعودة إلى التفاوض.
المتحدث باسم الكرملين يعلن عن استعداد روسيا دفع الملف النووي الإيراني نحو المسار السلمي .
و المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية تؤكد على أن طهران قد تكون مستعدة لتقليص برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات .
أما الممثل الروسي لدى المنظمات الدولية يقول : أن موسكو هي الخيار الأفضل للمساعدة في أزمة البرنامج النووي الإيراني .( مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - الثلاثاء 11 / 3 / 2025 )
ذكر دبلوماسيون بأنّ  : إيران والدول الأوروبية الثلاث تخوض في نيويورك محادثات "اللحظة الأخيرة" لتفادي إعادة فرض العقوبات الأممية، مع احتمالات نجاح "ضئيلة" حتى الآن، وسط مطالب غربية بأن تتخذ طهران خطوات ملموسة تشمل تقديم تقرير خاص والسماح بزيارة رمزية للمفتشين.
( رويترز  - 23 / 9 / 2025 )
و هذا ما حدث بالضبط، بعد نفاد صبر المهلة المحددة، فإلى أين المفر أو الملجأ؟!

ثمرة .. الضربة ؟!

أكّد ترامب، أنه لم يكن ليتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام في غزة، لو لم يأمر بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وقال : بأن «حماس أظهرت استعدادًا أكبر للتسوية نتيجة إضعاف داعميها الإيرانيين، ورفع السحابة السوداء التي تشكلت حول البرنامج النووي الإيراني، سمح للدول العربية والإسلامية بالمشاركة في المفاوضات والتوحد حول التوصل إلى اتفاق في غزة».
في خضم هذه الأوساط السياسية التي تسودها أجواء ملبدة بعودة التصعيد العسكري و ليس اللفظي ، تتوالى في هذه المرحلة تقارير إخبارية خاصة ، تؤكد على أن إيران في طريقها السريع لامتلاك أسلحة نووية، وأن الزلزال الذي ضرب صحراء إيران الجنوبية، وتحدثت عنه أجهزة رصد غربية قبل شهرين تقريبًا، كان ناتجًا عن تجربة لتفجير نووي تحت الأرض. ( وسائل التواصل الإجتماعي - 14 / 10 / 2025 )
الحكومة الإيرانية يصعب عليها الخروج عن خط المرشد ، و هذا في حد ذاته يسبّب مشلكة سياسية في الداخل ، خاصة بين تيار " الاعتدال و " التشدد " رغم أنهما طوال فترة الأزمة " النووية لم تقدما الحل السلمي للأزمة برمتها ، لأن المرشد يملك الصلاحية الكاملة للعودة إلى وقف كل المسارات في لحظة ؟!
هذا ما يقوم به المرشد الإيراني على طول الخط : 
المفاوضات مع الولايات المتحدة لن تخدم مصالح طهران، وستصل إلى "طريق مسدود"، لأن إيران لن "تستسلم للضغوط" الغربية التي تُمارس عليها للتخلي عن "تخصيب اليورانيوم"( وكالة مهر - 23 / 9 / 2025 )
أما موقف الحكومة المتماشي مع خط المرشد و إن اختلفت العبارات و المصطلحات ، هذا ما صرّح به وزير الخارجية  : بأن إيران لم تُجرِ أي مفاوضات خارج نطاق الملف النووي، مضيفًا «نحن لا نقبل أصلًا بمصطلح الاتفاق الشامل، لأنه نتاج مفاوضات شاملة، ولم نجرِ مطلقًا أي مفاوضات شاملة، لا مع مجموعة 5+1 في الماضي، ولا مع الدول الأوروبية الثلاث حاليًا، ولا حتى مع  الأميركيين ».
و قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أيضا : إن إيران ليست مستعدة للدخول في مفاوضات شاملة مع الولايات المتحدة بسبب التجارب الغربية في التفاوض مع بلاده، وتنصل الولايات المتحدة من التزاماتها، مضيفًا: «تاريخ الحكومات والوفود الأميركية المختلفة أظهر أن لديهم وجهة نظر أحادية الجانب وشمولية تجاه القضايا بين إيران وأمريكا».

العقوبات.. و مراكز الفكر

مراكز الفكر العالمية وضعت قرار إعادة العقوبات على إيران نصب أعينها ، و في الحقائق التي سوف نعرفها بمجرد التطبيق .
يقول مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي (ECFR) بأن : تفعيل أوروبا لآلية العقوبات «سناب باك» يكشف عجز الدبلوماسية الأوروبية، ومن المرجح أن ترفض إيران أي عروض أوروبية بالنظر إلى حساباتها الداخلية، وفقدان التيار المعتدل قدرته على الضغط على المرشد .
أما معهد واشنطن (Washington Institute) فقد ذكر بأن: ترجيحات بارتفاع مخاطر تصعيد إيران في المنطقة مع تفعيل آلية العقوبات؛ لكنها قد تتجنب إغلاق «مضيق هرمز»، وتلجأ لعمليات تخريبية بحرية، لرفع أسعار النفط وتعويض خسائرها، مع عدم استفزاز التحالف الغربي لتجنّب المواجهة المباشرة  .
و من جهة أخرى فإن مجلس العلاقات الخارجية (CFR) يقول : تركّز العقوبات الجديدة على البعد الأمني والعسكري أكثر من الاقتصادي، ما يعكس تحولًا في أهداف الضغط الدولي، فيما يرسخ تبنّي أوروبا لمبدأ «صفر تخصيب نووي» كمعيار قانوني دولي جديد عزلة إيران الدبلوماسية .
هذا و قد أكد المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) بأن : الانقسامات داخل مجلس الأمن ورفض روسيا والصين شرعية «سناب باك» يقوضان وحدة القرار، ما يمنح إيران ثقة بامتلاك داعمين أقوياء، ويشجع دولًا أخرى على تجاهل العقوبات، ويضعف فعاليتها كأداة ردع جماعي .
و أخيرا لنا هذه الوقفة مع 
المجلس الأطلسي (Atlantic Council) الذي قال : يدرك النظام الإيراني تآكل شرعيته ودعمه الشعبي مع تصاعد التحديات الداخلية لنهج المرشد، غير أن أي تغيير صادم، بعد فرض العقوبات، قد يؤدي إلى هيمنة الحرس الثوري أو الانزلاق نحو صراع أهلي يهدد استقرار المنطقة . ( مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 1 / 10 / 2025 )

العود إلى البدء !

بعد الدمار الذي أحدثته إسرائيل في إيران بسبب الغارات غير المسبوقة و غير المتوقعة على المنشآت العسكرية و النووية المستهدفة لتعطيل عملية الوصول إلى مرحلة قريب من انتاج السلاح النووي !
إيران تبدأ إعادة بناء مواقع الصواريخ التي استهدفتها إسرائيل، إلا أنت بعض الخبراء يرجحون أن عنصرًا رئيسيًا لا يزال مفقودًا، وهو الخلاطات الكبيرة اللازمة لإنتاج الوقود الصلب المستخدم في الأسلحة . ( أسوشيتدبرس - 24 / 9 / 2025 )
لغة التحدي لدى النظام الإيراني بلا حد و لكن عندما وصلت إسرائيل إلى طهران لم يصمد أمام هذا الإختراق السافر أي لغةٍ إيرانية؟!
نسمع جزء من تلك اللغة على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: لا أحد قادر على إزالة البرنامج النووي الإيراني وسنظل قادرين على حفظ إنجازاتنا .( 28 / 9 / 2025 )

الإتفاقية 2231 .. و انتهاء الصلاحية؟!

بين 2015 ، و 2025 , تغير العالم من حولنا عشر مرات ، و عجز ذات العالم عن إيجاد حل ديبلوماسي لأزمة الملف النووي الإيراني، و لا زال الأمل معقود في عقد آخر أو أكثر ؟! 
مشكلة الغرب اليوم أنه يريد كل شيء لنفسه، ليس في المسألة النووية فحسب، بل حتى لو رفعت دولة ما سهوا شعارا مثاليا و رومانسي فحواه : " دعونا نأكل مما نزرع ، و نلبس مما نصنع ، نشفي مما هو أنفع  "
قبل أكثر من ثلاثة عقود أعلنت دولة عربية بأن نسبة النمو في الناتج المحلي الاجمالي وصل الى أكثر من 10% , و ضرب الغرب ناقوس الخطر ، و نفخ في صور قيامة الدنيا ، و حملت صندوق النقد الدولي و معه البنك الدولي جرس الإنذار المبكر في وجه تلك الدولة المقاطعة و المحاصرة حتى هذه الساعة؟! 
و بعد انطلاق صاروخ الصين الاقتصادي خلال الأربعة عقود الماضية، و قد أعلنت مرة عن وصول ناتجها المحلي الإجمالي إلى قرابة 8% , اشتعلت الآلة الغريبة ضدها نارا و شرارا ، فكان من نتائجها هذه الحرب التجارية منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا ، و الحبل لا يزال على الجرار ؟! 
عودة إلى النووي الإيراني الذي أعلنت طهران تحررها من القيود المفروضة على برنامجها النووي ، قالت الخارجية الإيرانية إن فترة العشر سنوات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 انتهت السبت 18 أكتوبر 2025، وإن جميع أحكامه، بما في ذلك القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني والآليات ذات الصلة منتهية، اعتبارًا من هذا التاريخ. وشددت على ضرورة حذف القضية النووية الإيرانية من قائمة القضايا قيد نظر مجلس الأمن.
هذا وقد اتهمت طهران الترويكا الأوروبية بسوء استخدام آلية الزناد حيث اعتبر بيان للخارجية الإيرانية أن دول الترويكا الأوروبية أساءت استخدام «آلية الزناد» في خطة العمل الشاملة المشتركة لإعادة العمل بقرارات مجلس الأمن المنتهية، وأضاف أن هذه الخطوة لم تُؤثّر على الترتيبات القانونية الواردة في القرار 2231، بما في ذلك تاريخ انتهاء فترته.
و في رسالة وجهتها إيران وروسيا والصين إلى الأمم المتحدة ، أكد نائب وزير الخارجية الإيراني : أن إيران وروسيا والصين ستوجه رسالة مشتركة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، للتأكيد على انتهاء القرار 2231 بشأن الاتفاق النووي الإيراني، واعتبار العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة وأوروبا فرضها عبر «آلية الزناد» لا تمتلك أي أساس قانوني، وأن دول الأمم المتحدة ليست ملزمة بتطبيقها. 
وأشار «كاظم آبادي» إلى أن مدير عام الوكالة الدولية لن يكون بعد الآن ملزمًا بتقديم تقارير دورية حول تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة  .
وجّه وزير الخارجية الإيراني  أيضا رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، أكد فيها انتهاء مفعول القرار 2231، كما انتقد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات أحادية غير قانونية ، مشيرًا إلى أن إيران أبدت أقصى درجات ضبط النفس واتخذت خطوات تعويضية تدريجية بسبب الخروقات المتكررة .
و لم يمض على انتهاء صلاحية هذه الإتفاقية دقائق قليلة، حتى افتتح رئيس منظمة الطاقة الذرية، مركز الإشعاع الزراعي، حيث صرح بأننا : وعدنا بإدخال التكنولوجيا النووية إلى حياة الناس وأوفينا بوعدنا لقد تم تحقيق أحد وعودنا المهمة، ويمكن للناس الآن تجربة التأثيرات الملموسة للتكنولوجيا النووية في حياتهم اليومية . ( 18 / 10 / 2025 )

إجراءات.. ما بعد انتهاء الصلاحية؟!

لن تبقى الأمور على حالها كالسابق لا في الداخل ولا في الخارج، كل الإحتمالات واردة حد العودة إلى الخيار العسكري إذا لم يتم اداركها بالدبلوماسية الحقيقية ؟!
كانت في القاهرة بارقة أمل تحدو العالم الذي أمسك أنفاسه حتى تنخفض الضغوطات السياسية، و تنفرج  أسارير الدول التي تتضرر و تتضاعف أو تتضارب مصالحها ساعة الإصطفاف مع أو ضد و لو كان البعض اختار الحياد الإيجابي!
ما الذي تغير؟ أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القوم عن  إلغاء "اتفاق القاهرة" الموقَّع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر الماضي، موضحًا أن أي مقترحات جديدة من الوكالة ستُحال إلى أمانة المجلس للنظر فيها. يأتي القرار بعد إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة (آلية الزناد) في سبتمبر. 
و أضاف أيضا بأن : التقارير التي يقدمها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم تعد ذات تأثير، مؤكداً أن إيران تتابع بجدية مسألة تعزيز قدرات قواتها المسلحة. وأوضح أن اتفاق القاهرة في حكم الملغي، بعد فشل محاولة تفعيل آلية الزناد ضد بلاده . (  وكالة " تسنيم " 21 / 10 / 2025 )
و أكّد مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، ومسؤولون إيرانيون، أنّ أي تفتيش أو تعاون مستقبلي مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" سيُقرَّر حالةً بحالة عبر المجلس الأعلى للأمن القومي/أمانته، ولم يعد ضمن إطار "اتفاق القاهرة".
و جدّد المرشد الإيراني رفضه طرح واشنطن، وسَخِر من ادعاء ترامب، بأن الضربات دمّرت القدرات النووية الإيرانية، مؤكدًا أن هذا الادعاء «حلم». 
و طالبت الخارجية الإيرانية دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) بإظهار «إرادة حقيقية» بعد مساعيها لإعادة فرض العقوبات، وقال المتحدث إسماعيل بقائي إن بيان الترويكا الأوروبية يفتقر إلى حسن النية ويعيد العملية الدبلوماسية إلى طريقٍ مسدود. ( 21 / 10 / 2025 )
أما الاتحاد الأوروبي ترى بأن : إعادة فرض العقوبات يجب ألا تكون نهاية الدبلوماسية مع إيران . ( 28 / 9 / 2025 )
أول أثرٍ لهذه العقوبات سقوط على العملة الإيرانية التي تراجعت و هبطت إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار بعد إعادة فرض العقوبات . ( 28 / 9 / 2025 )
مسؤولون إيرانيون :  أميركا وأوروبا وإسرائيل يتعمدون تشديد العقوبات لتأجيج الداخل ، و نحن نعلم بأن المشاكل الاقتصادية تتفاقم والخيارات تتضاءل ، و كذلك 
المؤسسة الحاكمة تعلم أن الاحتجاجات حتمية، إنها مسألة وقت فقط  . ( رويترز- 21 / 10 / 2025 )

الوضع الدولي.. إعادة تقييم!

بعد أن انتهت ليالي أنس الملف النووي في " فيينا " ، جاء دور إعادة تقييم الأوضاع الدولية، عند نقطة التحرر من قيود الإتفاقية التي لم تر النور منذ الإنطلاقة الأولى .
و على ضوء تلك " العتمة السياسية " 
قدّم وزير الخارجية الإيراني، تقريرًا إلى الحكومة عن التعاون بين إيران وروسيا والصين لمواجهة الإجراءات الأوروبية لتفعيل "آلية الزناد"، معتبرًا أنّ النظام الدولي يتّجه نحو ثنائية قطبية جديدة بين "معسكر غربي ضيّق" و"أغلبية دولية تؤيّد التعدّدية والاستقلال".
و أكّد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الاقتصادية، أنّ الغرب يحاول خلق "ضغوط مصطنعة" لإضعاف الاقتصاد الإيراني بهدف انتزاع تنازلات سياسية، داعيًا إلى تقييم واقعي لتأثير العقوبات وتعزيز القدرات المحلية لحماية الاقتصاد الوطني.
و قد شدّد عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، بهنام سعيدي، على أنّ طهران لن تتراجع عن تخصيب اليورانيوم، مؤكّدًا أنّ الضغوط الغربية لن تدفعها للتنازل عن سيادتها أو قدراتها الدفاعية.  
و ذكرت مصادر دبلوماسية أنّ طهران باتت في موقع تفاوضي أقوى، بفضل إحرازها تقدّمًا تقنيًا في الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم والصناعات الدفاعية، ما يمنحها قدرة أكبر على مقاومة الضغوط الأحادية في أي مفاوضات مقبلة. 
و صرّح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأنّ إيران تحتفظ بكميات من اليورانيوم عالي التخصيب في منشآت "فوردو" ونطنز" وأصفهان"، مضيفًا أنّ تفتيش هذه المواقع سيُستأنف متى رأت إيران مصلحة في ذلك. (  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 20 / 10 / 2025 )
لغة المرونة هذه من قبل الوكالة هل تجدي إيران نفعا ، أو تطعمها  " خبزا " ، إذا ما جنحت العقوبات و تحولت إلى " جرائم " اقتصادية، تذيق الشعب الإيراني الأمرَّين ؟!

نووية .. فجأة؟!

ماذا لو فاجأتنا إيران في ساعة غفلة الوكالة عنها ووضعت العالم أمام الواقع كما فعلت كوريا الشمالية بأنها أصبحت دولة تمتلك القنبلة الذرية و تطلب من النادي النووي إعطائها العضوية الرسمية .
هذه فرصة ذهبية لإيران إن كانت تملك الشجاعة و القوة و القدرة لتعلن عن امتلاكها القنبلة النووية التي كانت تلوح بها طوال أكثر من عشر سنوات عاش العالم في دوامة أزمة الملف النووي الإيراني، فها هي اليوم في مرحلة انتقالية جديدة، خارج أطواق الماضي القريب!