عبد الفتاح موسي يكتب: كارثة طبيعية
قيل لي من البعض أن هناك مسلسلًا يحمل اسم كارثة طبيعية، فقررت أن أشاهد حلقاته.
ومع بداية الأحداث وجدت شيئًا غريبًا داخل إطار كوميدي هو ان زوجة تذهب لتجربة الحمل، تتمنى طفلًا واحدًا فقط، حلمًا صغيرًا يعيد للبيت روحه، لكنها تُفاجأ هي وزوجها معًا بحملٍ في سبعة أطفال دفعة واحدة. لم يكن قرارًا منفردًا منها، ولم يكن تجاهلًا لزوجها، بل كانت صدمة قدرية وقعت عليهما فجأة، فانقلبت حياتهما في لحظة واحدة لا عودة بعدها.
ومن هنا يبدأ التساؤل الطبيعي:
هل كان من حق الزوج أن يخاف من الظروف ويرفض حمل زوجته؟
وهل كان من حقها أن تخطو أول خطوة نحو الحمل أصلًا دون نقاش، وإن كانت لم تتوقع أن القدَر سيأتي بهذا الشكل الصادم؟
وتتوالى الأحداث… ولا أخفيكم سرًا، الكثير منها أصابني بالاشمئزاز. فالزوجان استقبلا هذه النعمة بحالة من السخط والضيق، ينظران إلى رزقهما وكأنه ابتلاء لا يُحتمل. وعلى الرغم من محاولاتهما لعدم الاستسلام، كانت الدنيا كلها تقف أمامهما، والظروف تتكالب عليهما من كل جانب، ويبدأ كل طرف في إلقاء اللوم على الآخر. وكأن ما حدث لم يكن خيرًا كتبه الله لهما، وكأن النعمة جاءت لتدمّرهما لا لترزقهما.
عند هذه النقطة، توقفت كثيرًا:
هل كانت الأمور تتعقّد لأن الإيمان لم يكن حاضرًا؟
لأنهما رأيا العدد ولم يريا المُنعِم؟
لأنهما خافا من الحمل ولم يخشيا فقدان رضا الله؟
كنت أتساءل:
ماذا لو استقبلا الأمر بفرح، وبقلبين راضيين بما كتبه الله لهما؟
ماذا لو سعيا وهما على يقين أن من رزقهما السبعة قادر على أن يرزقهما ما يعينهما عليهم؟
ماذا لو أدركا أن الخير قد يتأخر ظهوره، لكن وجوده ثابت لا يتغير؟
نعم… علينا جميعًا أن نسعى ونغيّر واقعنا، وأن نأخذ بالأسباب، وأن نعمل بجهد.
لكن كل هذا بلا إيمان ….يتحوّل لعبء ثقيل، وبلا يقين……. يصبح بلا روح.
فالله لا يضيّع عبده أبدًا، والتوفيق من عنده وحده، ونحن مجرد أسباب يجري الله بها أقداره، لكن الفضل كاملًا لا يكون إلا منه سبحانه وتعالي
وصدقًا… اكتشفت أن الكارثة الحقيقية لم تكن في السبعة أطفال ولا في الظروف الصعبة، ولا في صدمة القدَر نفسها.
الكارثة كانت في ردّ الفعل… في طريقة استقبال النعمة… في غياب الرضا وثِقَل القلب.
فالابتلاء الحقيقي ليس في عدد ما يُعطيك الله، بل في كيف ترى أنت ما أعطاك الله.
قد تُبتلَى بكثرة الرزق كما تُبتلَى بقِلّته، وقد تُرفع بنعمة كما تُرفع بمحنة.
وفي النهاية…
أخطر كارثة طبيعية ليست تلك التي رأيناها في المسلسل،
بل تلك التي تحدث داخل النفس:
حين يهزمها الخوف، ويغيب عنها اليقين، ويتلاشى الرضا حتى يصبح قلب الإنسان نفسه هو الكارثة…
أما كل ما يأتي من الله لو بدا صادمًا أو مفزعًا فهو في أصله رحمةٌ مختبئة، وخيرٌ ينتظر من يراه بعين راضية مطمئنة.