باور بريس

دكتور عبد الله العوضي يكتب: "النووي الإيراني" ترامب الفترة الأولى والعهد القديم ؟!

باور بريس

 

عاد" النووي الإيراني " من قاع النسيان إلى السطح في عهد ترامب الجديد ، الذي مزق ذات الإتفاقية منذ أكثر من عقد، أي في عهده القديم ، ترى ما الذي تغيّر اليوم  بين  أميركا و إيران ؟!هل نحن على موعد لعقد آخر من المحادثات ، من أجل التوصل إلى اتفاق أميركي- إيراني، بعيد عن الوكالة الدولية للطاقة النووية ؟! 
هناك أسئلة لا حصر لها عن علاقة أميركا بإيران، هي الأسئلة منذ الإطاحة بشاه إيران المسمى ب " شرطي الخليج " ، الذي تم استبداله بجيش من الحرس الثوري قامت بما لم يستطع الشاه القيام به طوال سنوات حكمه .
في الفترة الأولى لترامب  ، إيران أسقطت أكبر درون أميركي على مسافة سبعين ألف قدم ، و هو أعلى ارتفاع لجسم طائر في السماء، و أوقف ترامب الرد قبل ثوان من انطلاق صواريخ موجهة ضد المفاعلات النووية، بحجة وجود أفراد أبرياء في الموقع؟!
و في عهد ريجان احتل الطالب الجامعي آنذاك " نجاد " السفارة الأميركية في طهران، و لم تتحرك أميركا قيد أنملة، بل أكثر من ذلك رحبت بذلك الطالب رئيسا لإيران فترتين متتاليتين، كان شعارهما " مسح إسرائيل من الخارطة "
ما حجم خسائر إسرائيل و أميركا من إيران خلال فترة حكم الملالي ؟!
طوال السنوات الماضية، و العالم وضع يديه على قلبه خوفا من دقات عقارب ساعة الصفر بين أميركا و إيران و من ورائهما إسرائيل! 
خلال أكثر من 45 عام، خاضت إيران حربها مع العراق لقرابة عقد من الزمن، و من ثم قالت لسانها بعظْمة  و ليس بعظَمة فعالها بأنها احتلت عواصم لبنان و اليمن و العراق و سوريا و كادت أن تحتل عاصمة البحرين لولا وقوف قوة درع الجزيرة حائلاً و حائطا سميكا أمام أطماع النفوذ الإيراني، لكانت الضحية الخامسة !

الإسطوانة.. المشروخة !

كم رصاصة أطلقت من قبل إيران على " الشيطان الأكبر " و كم قنبلة نووية أطلقت على إسرائيل لمحوها من الخارطة العالمية؟! 
اليوم و حتى يوم غير معلوم، سيجبر العالم على الإستماع إلى أغنية اسطوانتها مشروخة منذ عقود عنوانها " النووي الإيراني " !
لسنا ضد أي مباحثات سياسية أو دبلوماسية من أجل حل القضايا الإقليمية المستعصية، و لكن تجربة العقود السابقة لا تطمئن النفوس و القلوب المرتجفة عندما يكون الحديث عن "  النووي الإيراني "  ، و ليس الإسرائيلي ؟! 
و ترك العالم لعقود طويلة على صفيح ساخن لمصلحة من ؟ و العودة إلى ذات النهج أيضا من المستفيد منه ؟ 
إيران لديها أقل من ستين يوم لإثبات حسن نواياها " النووية " و إلا الضربة " الترامبية " واقعة لا محال ! 
و قد مرت على مشاغبات إيران الصوتية عشر سنوات توقف فيه العالم عن ذكر " النووي الإيراني " إلا لماما !  و لم تمس إيران يدا صلبة و لا كلمة جارحة ، و قد مضت تعيث بنفوذها يمنة ويسرة فلا أميركا تطالها و لا إسرائيل من خلفها ! 
و جاءت 7 أكتوبر 2023 ، لكي تقلب معادلات السياسة العالمية على وجهها مع اختلاف وجهات النظر في آثارها المدمرة في غزة و استمرار الحرب مع المحتل .
لقد اختلت موازين السياسة الدولية في كيفية التعامل مع إسرائيل و " حماس " على وجه الخصوص ، حتى من قبل السلطة الفلسطينية ذاتها ، و كانت إيران في قلب الحدث عن بعد و سمي تدخلاتها بأذرع الأخطبوط التي لا بد من الإسراع في بترها ؟! 
حرب " غزة " المستمرة لأكثر من سنة و نصف السنة، فرخت حروب جانبية في لبنان وسوريا والعراق و اليمن، من قبل إسرائيل التي ترك لها الحبل على الغارب من غير رقيب و لا حسيب ، بل عكس ذلك، وجدت  دفعا منقطع النظير من أميركا التي كانت في يوم ما من تاريخها " راعية سلام " و لكن عندما تكون إسرائيل على خط 
المواجهة لا بد أن يضحى بالسلام من أجلها!

النووي فقط .. لا غير ؟!

لسنا هنا للحديث عن غزة منفردة لأن خطوط و خيوط التشابك معقدة ، يهمنا إيران التي شرطت على أميركا في مباحثاتها الجارية برعاية مسقط ، عدم التطرق إلى أي قضية أخرى غير نووي و قد وافقت أميركا طواعية  على هذا الشرط الذهبي لصالح إيران إبتداء .  
ترامب في فترته الرئاسية الأولى حاول تسع مرات  و في فترة زمنية قصيرة من بعد فرض العقوبات الصارمة والحازمة حد إيصال إيران إلى الصفر في تصدير النفط .
ما هي متلازمة دم السياسة الراهنة التي تربط المصالح  الأميركية والإيرانية في فتح أميركا  ذراعيها بلا شروط لضم إيران إلى حضنها فجأة و ضرب ظهر إيران بسياط ولهيب العقوبات تلو الأخرى.
ما هو الموقف الإيراني من هذا العرض المفتوح على مصراعيه ؟  قال مسؤولون إيرنيون كبار آنذاك : "  إن بلادهم لن ترضخ بسهولة لحملة أميركية جديدة تهدف إلى وقف صادرات إيران النفطية الحيوية . ويشكل النفط قرابة 40% من إجمالي الناتج الإجمالي لإيران ، وهي نسبة لا يستهان بها وهي التي تعاني من هذه العقوبات منذ أكثر من أربعة عقود وكان أمل النظام معقودا على نجاح الإتفاق النووي ، ولكن أميركا ترامب خيب آمالها بجرة قلم لتعود مشكلة إيران نووية غير سلمية  إلى نقطة البداية بعد أن ضاعت عشرة أعوام من عمر المباحثات في ( 5 + 1 ) أدراج الرياح  الأميركية ؟!
من غرائب السياسة التي يمكن أن تقع على رأس بعض الدول في عصرنا هذا هو الحوار بين " الشاتم والمشتوم "  و ليس لهذا علاقة ب " تشاتم هاوس " ، سياسيا بالطبع منذ أكثر من أربعة عقود .
و بناء على هذا الوضع تتساءل مجلة " نيويورك " لماذا توافق إيران  التخلى عن الممارسات التي يستخدمها منافسوها وأعداؤها بشكل روتيني ، وأن مخاوف إدارة ترامب من دعم إيران للمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط مشروعة تماما .

ترامب مستعد.. للحوار !

ومع ذلك يفاجئ ترامب العالم أجمع ويعلن عن  استعداده للحوار رغم أطنان اللعنات التي يتردد صداها  الآن ؟!
إلا أن المرشد الإيراني الذي بيده الخيط و المخيط والحل والربط  وليس كما قد يظن البعض من مناورات الحكومة مع دول الإتحاد الأوروبي لكسر شوكة وحدة العقوبات الأميركية على طهران .
وقد حسم خامنئي الأمر عندما حظر إجراء أي محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية ، وقد حمَّل الحكومة الإيرانية ذاتها مسؤولية سوء الإدارة في البلاد والذي أضر بالإقتصاد أكثر من العقوبات الأميركية .
هذا الذي تريده أميركا ومعها الغرب اللعب السياسي والإقتصادي لتغيير بوصلة النظام لتعديل سلوكه عبر حزمة جديدة من العقوبات . 
انفلت " ترامب " من عقاله و نفد صبره على النظام الإيراني الذي لم تستطع عصى العقوبات المتشددة المساهمة في تعديل السلوك الإيراني الذي ربطه بتغيير النظام .
فالعالم من حول إيران بدأ يبحث عن مخرج من هذا المأزق ، أو مُخرِج ناجح لإخراج هذا الفيلم عن طوره بدون أي مواجهة مباشرة مع النظام الإيراني .
بداية من  الخليجي الذي تمثله سلطنة عمان لعلاقاته المميزة بإيران و لإطلاق وصف الحياد على سياساتها الخارجية تجاه مختلف القضايا في المنطقة و خارجها ، فهذا وزير الشؤون الخارجية العُماني يوسف بن علوي السابق يصرح  : سلطنة عُمان تسعى لتخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة .
و قد تبع  التصريح ، زيارة الوزير  إلى طهران للقاء المرشد ، هذا ما كشف عنه  موقع إيراني مقرب من التيار الإصلاحي، أن خامنئي اجتمع سراً مع وزير الخارجية العُماني خلال زيارة الأخير إلى طهران  ونقل موقع "سحام نيوز" الذي يشرف 
عليه زعيم حزب الثقة الإيراني المعارض الإصلاحي "مهدي كروبي"، عن مصدر مطلع قوله إن "خامنئي اجتمع سراً في مكتبه  وأبلغه استعداد إيران للتفاوض مع الولايات المتحدة".

علاقات.. متوازنة

وأكد ظريف أهمية إحلال السلام والأمن في منطقة الخليج العربي الاستراتيجية؛ محذرا من خطورة السياسات التي تنتهجها  أميركا وبعض حلفائها في المنطقة.
وقال  " إن إيران مستعدة لإقامة علاقات متوازنة، بناءة وقائمة على أسس الاحترام والمصالح المتبادلة مع جميع الدول في منطقة الخليج (العربي)". 
وشدّد على أن إيران لا تسعى إلى التصعيد في المنطقة؛ مبينا أن إنهاء الحظر المفروض على إيران من صالح جميع دول المنطقة .
ننتقل بعيدا إلى خارج المحيط الخليجي و العربي ، لنكتشف كم تبدو إيران معزولة عن العالم الأكبر و كم هي صغيرة عندما ركنت نفسها في زاويتها العقدية الضيقة . 
نجد كيف أن اليابان التى ألغت الحرب من دستورها تهرع إلى إيران لمحاولة إطفاء شرر الحرب قبل اشتعاله و هي التي سامتها في كارثة هوريشيما و نجازاكي ، و هي تعتبر أول زيارة لها منذ العام 1978 .
ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أن رئيس الوزراء شينزو آبي ( السابق ) يبحث زيارة إيران قريباوذلك مع تنامي القلق الدولي من تزايد التوتر بين طهران وواشنطن.
أما المانيا التي تمثل عصب القوة الأوروبية فإن  وزراء ووكلاء وزارات من الحكومة الألمانية  أجروا 13 محادثة مع مسؤولين في الحكومة الإيرانية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران .
ويأتي ذلك وسط التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران. وقد ذكرت وزارة الخارجية الألمانية في ردها على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب "اليسار" أن ستاً من بين هذه المحادثات أجراها وزير الخارجية هايكو ماس ( السابق  ) .
هذه الحهود المكثفة كلها من أجل امتصاص الأزمة قبل تفاقمها ، و آخرها و لن تكون الأخيرة بالطبع من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بين وزير الخارجية السويسري و الأميركي ، أهم نقاط الجانبين هو من " كاسيس " :
- بحثنا الدور الذي يمكن أن تقوم به سويسرا في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران
- نعمل على الوساطة بين واشنطن وطهران  .


في السياسة لا عداوة .. بل مصلحة ؟!

أما بومبيو فقد أكد في هذا اللقاء على أن :-
- القيادة الإيرانية تجاهلت الاحتياجات الأساسية للشعب .
- يمكننا البدء في حوار مع إيران عندما تتصرف كدولة طبيعية .
- مشكلات الشعب الإيراني هي نتاج 40 سنة من الحكم الحالي وليست بسبب العقوبات .
- مستعدون للحوار مع إيران من دون شروط مسبقة .
- سنواصل ضغوطنا لتقويم السياسة الإيرانية .
هل أميركا و إيران عدوان لدودان ، أم أنهما  مثل غيرهما من الدول مختلفان  فيما بينهما ، على المصالح يلتقيان أو يفترقان إلى حين؟! 
إذا كان من عوامل قوة الدول الأعداء حين يلتقون  يكونون أقرب لمعرفة بعض ، فكيف بمن ليسوا كذلك؟! .
أذكر في بداية الصراع العربي الإسرائيلي و في أواخر ستينيات القرن الماضي، كان مركز الدراسات الفلسطينية يصدر سلسلة دورية بعنوان " اعرف عدوك " و كانت تصب في هذا المنحى .
نعود  إلى التاريخ لكي ينبؤنا عن الخبر اليقين لأن الجغرافيا السياسية ليس لها ثوابت .
فالنبدأ بترامب الذي يحمل في جوفه كل متناقضات السياسة الأميركية لفترة رئاسته الفعالة ، منذ عهد الشاه ، لديه مصالح تجارية في إيران ، و قد بنى أول مشروع إقتصادي في طهران و هو عبارة عن ناد ليلي للتفريج عن هموم الشعب الإيراني و الترفيه عنهم .
هل فعلا أميركا و إيران سياسيا عاشا من بعد " الثورة " في مفترق طرق ، أم دائما بينهما اجتماعات من تحت الطاولات و وساطات دولية أخرى ؟ 
يتصل مرةجون كيري بالقيادة الإيرانية ينصح النظام عن طرق الإلتفاف على العقوبات و ذلك بفضل زوجته الإيرانية ، و قد طلب ترامب محاكمته بعد هذا التصرف الذي يتعارض مع المصلحة الأميركية .

إسقاط " طالبان"  .. و إنقاذه ؟!

بالرغم من كل هذا الضجيج الإعلامي بين البلدين ، إلا أنهما اتفقا على إسقاط نظام طالبان في أفغانستان بعد أعلن " شامخاني " فتح المجال الجوي أمام المقاتلات الأمريكية لقصف طالبان حتى تم إسقاطه بعد خمس سنوات من حكم أفغانستان .
و لكن جاء بايدن  ليعيد طالبان إلى حكم أفغانستان مجددا و فق شروط مصلحية ، ليس هنا موضع التفصيل ، خاصة بعد تنحي الرئيس بايدن عن الحكم و تولي النائبة كمالا إلى ساعة فوز ترامب مرة أخرى بالرئاسة الأميركية .
ثم تلته سلسلة متواصلة من التعاون العميق ، وظهر ذلك جليا في الغزو الأميركي للعراق بمباركة إيرانية " سيستانية " عبر فتوى السيستاني بجواز هذا العمل العدواني من قبل أميركا مقابل " و من ثم تعيين نوري المالكي رجل إيران رئيسا للحكومة العراقية .
و عندما عُين " برايمر " حاكما للعراق في سابقة هي الأولى من نوعها صرح قبل مغادرته العراق بأنه يفضل التعامل مع الشيعة لأن لديهم عنوان واحد و للسنة عشرات العناوين .
فمنذ عام 2004 ، أي بعد إتمام احتلال العراق شكلت لجنة خاصة بين أميركا و إيران لضرورات التنسيق الأمني و اللوجستي بين البلدين الذي يظن الكثير في العالم بأنهما قاب قوسين من الحرب المباشرة أو أدنى .
أما في عام 2005 ، فقد دُشن أكبر لجنة أوروبية أميركية إيرانية " 5+1 “ من أجل التوصل إلى الإتفاق النووي الذي يقلص من قدرات إيران النووية في إنتاج القنبلة النووية التي ترعب و ترهب بها العالم من حولها .
و بعد جولات و صولات استمرت عقدا كاملا ، تم التوصل إلى هذه الإتفاقية الصعبة المراس و تنفس العالم الصعداء في عام 2015  ، حيث عُد هذا الإنجاز مرحلة جديدة من التعامل الدولي مع إيران .

ترامب .. و الإنسحاب!

و لكن بعد أن حل " ترامب " على أميركا رئيسا ، نفَّذ أول وعوده الإنتخابية في الإنسحاب من الإتفاق النووي ضاربا عشر سنوات من الجهود المضنية للعالم أجمع عرض الحائط ، و أضاف على ذلك فرض عقوبات جديدة على النظام الإيراني .
و من عجائب سياسة ترامب في حشوده العسكرية  هي الضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية من جديد لكن وفق الشروط الأميركية فهل تحتاج هذه الخطوة إلى حرب شاملة و إيران ذاتها تبحث لها عن طريق سالك للخروج من هذا النفق الضيق . 
في إيران ذاتها ، هناك أكثر من مستوى  للخطاب السياسي ، تضرب بعضها رقاب بعض و تضر بمصالح إيران في وقيعتها مع أميركا .
المستوى الأعلى ما يصدر من المرشد و هو في الغالب يخالف خطاب المسؤولين الآخرين ، سواء كان رئيسا للحكومة  أو  وزيرا  للخارجية ، أو قائدا للحرس الثوري وغيرهم . 
مثلا مسألة الحوار مع أميركا فالمرشد يستبعد تفاوض إيران مع واشنطن وخصوصا حول قدراتها العسكرية .
في  ذات السياق يذهب رئيس الحكومة  عكس اتجاه المرشد  ،  الرئيس يرى بأن الحوار ممكن مع واشنطن إذا رفعت العقوبات .
و أما الوضع بشأن الإتفاق النووي ، أيضا ورد عن خامنئي رأي آخر في الحكومة  ، حيث جاءت تصريحاته  في سياق اجتماع له مع طلاب، 

18/5/2019حسب موقعه الرسمي و التي يلقي فيها باللوم على روحاني و ظريف، بالاسم، في مخاوفه بالنسبة للاتفاق .
قد يبدو من هذا السياق تبادل أدوار مرسومة سلفا لإرباك الموقف الدولي و إغراقه في غموض التعامل مع النظام الإيراني ، أو فعلا أن الحكومة الإيرانية واقعة في حيرة عندما يتعلق الأمر في الإحتكاك مع المرشد الذي له اليد الطولى في كل صغيرة و كبيرة في الداخل الإيراني  أو الخارج .

تضارب .. الخطاب !

و لا زالت تصريحات المسؤولين الإيرانيين متضاربة بخصوص الحوار مع أميركا فهذا ما أوردتها  وكالة "مهر" للأنباء: نفى مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، عباس عراقجي، خلال لقائه وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، وجود أي حوار مباشر أو غير مباشر مع أميركا .
عودة إلى المرشد في موضوع الحوار من جديد عبر إرم نيوز: حيث كشف موقع إيراني مقرب من التيار الإصلاحي، أن خامنئي اجتمع سراً مع وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي خلال زيارة الأخير إلى طهران .
ونقل موقع "سحام نيوز" الذي يشرف عليه زعيم حزب الثقة الإيراني المعارض الإصلاحي "مهدي كروبي"، عن مصدر مطلع قوله إن "خامنئي اجتمع سراً في مكتبه ، وأبلغه استعداد إيران للتفاوض مع الولايات المتحدة". وأضاف المصدر إن "اجتماع خامنئي مع وزير الخارجية العُماني جاء بعد اجتماع قصير عقده مع نظيره الإيراني ظريف"، مشيراً إلى أن "اجتماع خامنئي مع بن علوي لم يحضره ظريف" 
لغة التفاوض لدى المرشد يكسرها مسؤول عسكري إيراني و هو يهدد بإغراق السفن الحربية الاميركية في الخليج باستخدام "أسلحة سرية" .
و تؤكد وكالة أنباء فارس على أن الدورية البحرية الإيرانية الـ 62 التابعة للقوة البحرية لجيش الجمهورية الاسلامية الإيرانية ستتوجه إلى المياه الدولية الحرة  .
أما الحرس الثوري فإنه  يغرد خارج سرب المرشد و يؤكد وقوفه مع " الحوثيين " باليمن و هاكم نص كلامه قال نائب قائد الحرس الثوري، إن بلاده تدعم الحوثيين في اليمن بكل ما تستطيع، إذ إن ذلك واجب فرضه القرآن، على حد قوله. وأضاف "فدوي" في مقابلة على التلفزيون الإيراني أن ما يمنع إرسال قوات إيرانية إلى اليمن كما يحصل في سوريا هو الحصار المفروض على اليمن. وتابع "نحن غير موجودين في اليمن، ولو كنا هناك لسيطر الحوثيون على الرياض. السعودية تعلم أنه في حال تمكنت إيران من الوصول إلى الحوثيين لتغير الوضع" .

حمامة .. سلام ؟!

أما البرلمانيين الإيرانيين فهم حمامة سلام مع أميركا ، فهذا رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني يقول : لن نخوض حربا مباشرة أو عبر وكلاء مع الولايات المتحدة .
و  بطرفة سياسية من ظرافة  "ظريف" عندما ذكر : عرضنا توقيع "اتفاق عدم اعتداء" مع جيراننا في الخليج .
أين إيران من هذا العرض  قبل أكثر من أربعين عاما و بعد خراب البصرة و لبنان و سوريا و اليمن ؟! 
في ثنايا الأزمة الإيرانية المستعصية على الحل لأكثر من  أربعة عقود ، و وصول حاملات الطائرات و غيرها من العتاد و المعدات إلى المنطقة ، هناك هرولة غربية لإقناع إيران بعدم الإنسحاب من الإتفاق النووي الذي استغرق قرابة عشرة أعوام من الزمن الصعب كما فعل ترامب .
الرئيس الأميركي وضع 12 عربة أمام الحصان النووي ، و على إيران تخطيها جميعا و ليس القفز عليها أو الإلتفاف حولها قبل العودة للجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد .
ماذا لو فاجأتنا إيران في ساعة غفلة الوكالة عنها ووضعت العالم أمام الواقع كما فعلت كوريا الشمالية بأنها أصبحت دولة تمتلك القنبلة الذرية و تطلب من النادي النووي إعطائها العضوية الرسمية ؟! 
الحروب قذرة في كل العصور و في هذا العصر أقذر ، لأن شريحة واحدة تستفيد منها و في الغالب تجار السلاح !
عندما نتابع  الحشد العسكري الأميركي تجاه المنطقة يصاب المرئ بالذهول  و الحيرة  ، لأن الشرق الأوسط لا تنقصها  الحروب العبثية التي لم تتوقف منذ أكثر من قرن .
و الحرب المتوقعة لن تحقق استقرارا و لا أمنا و لا أمانا و لا تنمية مستدامة ، بل تزيد المنطقة فقرا و فوضى و دمارا .
فأميركا التي لم تحارب إيران من قبل مع وجود دواعيها اليوم أكثر و مبررات أكبر ، فلن تحاربها بشهادة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية و الذي كلمته لا تسقط على الأرض أمام أكبر مسؤول .

" بطحائي  " . طلبة المدارس للمحرقة ؟!

استبعد خامنئي إمكانية   قيام حرب بين بلاده واميركا ، وفقا للتلفزيون الرسمي الإيراني .
و هذا قبل سنتين خلال لقائه بمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى،  قال : إن "الأمة الإيرانية" عازمة على مقاومة "الشيطان الأكبر"، في إشارة إلى أميركا . وأكد على أن بلاده لن تتفاوض مع أميركا حول الاتفاق النووي الإيراني .
أما اسخدام لغة " الشيطان الأكبر " من جديد فأصبحت سمجة و رخيصة و تكرار ممل و سياسة مخلة على النظام الإيراني الترفع عنها  , حتى و إن شطح وزير التعليم الإيراني في حماسه للحرب عندما أثارت تصريحاته غضب إيرانيين بعدما أعلن استعداد بلاده لإرسال أطفال المدارس للمشاركة في الحرب . 
وقال بطحائي في خطاب له: "الآن، لدينا 14 مليون تلميذ في المدرسة، والذين على استعداد للتضحية  بأرواحهم في حال ما تم الإحتياج  إليهم، مثل فترة الدفاع المقدس (الحرب بين إيران والعراق)"
فكلام مرشد الجمهورية أكثر قداسة مما سماه الدفاع المقدس ، و العالم يعلم جيدا بأن مشاركة الأطفال في الحروب تحت أي مسمى تعد جرائم حرب لا دفاع فيها عن أي مقدس غير العبث بالأرواح و استرخاصها في اللاشيئ .
من ناحية أميركا تستعد لوجستيا و تستدعي عشرات الألوف من جنودها و عشرات الدبابات في الطريق إلى المنطقة و تحذر مواطنيها من أخذ الحيطة و الحذر مما هي فاعلة عازمة في القيام به و لو لمزيد من الضغط على النظام الإيراني  في حرب إعلامية و نفسية  .
أما في فترة ترامب  الأولى  ، فقد استخدم  أيضا لغة تصالحية يبدو بعد أن رفض الكونجرس الأميركي إرسال 120000 جندي إلى المنطقة ، بحجة أنها تحتاج إلى ثلاث أو أربع سنوات لعملية نقلهم و ترتيب أوضاعهم .

محادثات .. رغم التوترات

من هذا المنطلق فقد أعرب  ترامب، عن ثقته بأن إيران سترغب قريبًا في إجراء محادثات مع الولايات المتحدة رغم التوتر المتصاعد بين البلدين. ونفى عبر تويتر أي "خلاف داخلي" في الإدارة حول "سياسة الحزم (التي ينتهجها) في الشرق الأوسط وقال: "يتم التعبير عن آراء مختلفة وأتخذ القرار النهائي والحاسم، إنها عملية بسيطة جدًا"، وأبدى ترامب مرارًا في تصريحاته انفتاحًا حيال طهران التي يعتبرها العامل الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، ولكن من دون أي نتيجة .
فما قاله المرشد عن نفيه للدخول في حرب مع أميركا ، يترجمه حرفيا و زير خارجيته آنذاك ظريف ، إن بلاده لا تسعى للحرب لكنها تدافع عن مصالحها بقوة، مؤكدا أن تطبيع العلاقات الاقتصادية معها هو السبيل الوحيد للحفاظ على الاتفاق النووي . 
ظريف يركز  على موضع الوجع الحقيقي لإيران ، إنه الإقتصاد يا عقلاء و تهديد إيرن بالخروج على الإتفاق النووي كما خرج منه ترامب جزء من المناورة السياسية ، و خاصة و أن حلفاء إيران لم يبدوا أي استعدادا للوقوف معها في مواجهة أميركا " العنترية " .
فها هو بوتين يحذر  إيران قائلا : لسنا إطفائيين ، و أما سيستاني العراق فقد طلب من الحكومة أن تقف بالحياد في صراع اللاحرب . 
عادت إيران إلى الوراء لأكثر من عقد و كأنها تعيد إنتاج نفسها ، مع اختلاف كل الظروف المحيطة بالعالم من حولها .
هل أميركا جادة في محاربة إيران ، فالنستمع إلى جون بولتون عن طرق هذه الطبول الناشزة : ستواصل الولايات المتحدة ممارسة أعلى درجات الضغط على النظام الإيراني حتى يقرر رأس النظام تغيير سياساته المدمرة واحترام إرادة الشعب الإيراني والعودة إلى طاولة الحوار .

جعجعة .. بلا طحن !

لن نستعجل في تحليل هذين التصريحين المتضاربين حتى نذكر أمرا آخر على لسانه : لا نسعى للحرب مع إيران لكننا جاهزون للرد على أي هجمات من قبل طهران أو وكلائها، كما أننا جاهزون للرد بقوة على أي هجوم إيراني يستهدف مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها .
ننهي هذه الجدلية بتصريح ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الدولية بأميركا  : "الإدارة الأمريكية تحاول طحن إيران، نعم يحققون نتائج اقتصادية ولكن هذا النظام لن يذهب إلى أي مكان، وهذا النظام علينا ألا ننسى أن لديه العديد من الوسائل للرد ودفعنا، هم يتحدثون الآن عن الخروج من الاتفاق النووي ويمكن أن يخرجوا من معاهدة الحد انتشار الأسلحة النووية، يمكنهم مطاردة الجنود الأميركيين في العراق ويمكنهم التصعيد في سوريا، إيران لها العديد من الأدوات، سيبيرية وإرهابية وعسكرية ودبلوماسية، ومن وجهة نظري يجب علينا عدم الاستهانة بهم" . 
لم تكن إيران و إسرائيل يوما واحدا على وفاق منذ اللحظة الأولى من إعلان الثورة و لا نقول أيضاً أعداء ، و إن كانت في عصر الشاه حلفاء .
و كان أشد الفترة من الخصومة و العداوة اللفظية في عهدي أحمدي نجاد الذي هدد بإزالة إسرائيل من الوجود ، و مع ذلك ذهب نجاد إلى حال سبيله و استمرت إسرائيل بالتوسع في الوجود .
هذا حد إيران من صراع الوجود الإسرائيلي ، بعيدا عن صراعات الحدود التي تشغل أصحاب القضية منذ أكثر من سبعة عقود من الجفاف و الجفاء .
انتقلت إيران الثورة إلى مرحلة الصراع مع العالم و على  رأسه إسرائيل بالطبع ، حول مشروع النووي الإيراني سلميته أو عدمه .
و هددت طوال السنوات الماضية بقصف منشآتها النووية في أي لحظة كما فعلت مع العراق ، و ذلك دون أن يمس أحد منشآتها  بديمونة .

سلمية .. أو  قنبلة ذرية ؟!

و في فترة " بايدن " حدث تغيير في نهج التعامل مع و جود إيران نووية بغض النظر إن كانت سلمية أو قنبلة ذرية .
لن نذهب بعيدا ، فهذا ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، خلال مقابلة مع صحيفة "إسرائيل هيوم"* يقول إذا كانت إدارة بايدن ستعيد تقوية إيران من خلال الاتفاق النووي، فإنها ستقوّض اتفاقيات أبراهام الموقعة بين إسرائيل والدول العربية، وستفقد أميركا مصداقيتها في المنطقة .
لماذا ترفض إسرائيل السلاح النووي الإيراني ؟ فالجواب عند بيني جانتس، رئيس الوزراء الإسرائيلي المناوب، يعلن رفضه لمساعي إيران امتلاك أسلحة نووية، ويقول لسفير الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل، إن سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية يفتح سباق تسلح في الشرق الأوسط 
السؤال المقابل لماذا تعتقد إسرائيل نفسها بعيدة عن ذات المبرر ، و هي التي تمتلك مشروع ذات السلاح النووي منذ خمسينيات القرن الماضي ؟! 
نعود إلى الطرف الذي انسحب من الإتفاق النووي ، و كيفية عودته التي وضعتها إيران في معادلة " إن عدتم عدنا "
الخارجية الأميركية صرحت عن سعيها مع الأوروبيين لمنع النظام الإيراني من الحصول على أي أسلحة نووية ، و ذكرت بأنها ستجتمع مع الإيرانيين بحضور الأوروبيين لبحث الاتفاق النووي ، و أنهم مستعدون للعودة إلى الاتفاق النووي القديم شريطة التزام إيران الكامل ببنوده ، و مخاوف إسرائيل من العودة للاتفاق النووي مبررة ولن تضر بعلاقتنا مع تل أبيب .
بعد أن أدركنا موقف السفير الأميركي السابق في إسرائيل ، بين يدينا الموقف المطابق لجلعاد أردان، سفير إسرائيل في واشنطن،  عبر حديثه لـ"إذاعة الجيش الإسرائيلي": إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فستفقد كل مقوماتها، ولن يكون هناك حافز للإيرانيين للعودة إلى المفاوضات ،  و لا يمكننا أن نكون جزءًا من خطوة العودة إلى الاتفاق مع إيران .

النفس .. الطويل!

عودة إلى نقطة الصراع الوجودي ، كتب توم أوكونور، تقريرًا بـمجلة "نيوزويك" الأميركية عن التهديدات التي ستواجهها إسرائيل حيث أشار إلى أن  الصراعات الوجودية التي ستواجهها إسرائيل هي سوريا وغزة ولبنان ومصر، حيث ترى إسرائيل أن الحدود مع سوريا أحد أهم أسباب الصراع الوجودي لبلادها، خاصة وأن تل أبيب ترى في وجود إيران والقوات المتحالفة معها مثل "حزب الله" اللبناني تهديدًا للأمن القومي .
أكثر كلمة ترددت  في الإعلام تلك الفترة " فيينا " المرتبطة بالنووي الإيراني ، و ليس بليالي الأنس زمن  اسمهان .
إيران النفس الطويل ، نفست عن خاطرها في اتفاقية 2015 ، بعد أن ملَّ الصبر عن صبر إيران لعشرة أعوام جرّت العالم نحو أنفاسه الأخيرة و لم يصدق بأن التوقيع أتى بوقعه على السياسة الدولية .
و لكن " ترامب " لنكاية سياسية ب " أوباما " بعد أن أزاح الديمقراطيين عن الحكم ، فحكم على اتفاقية 2015  ب " العدم   " تحقيقا لأحد وعوده الانتخابية .
و قد جرت مياه كثيرة في نهر " ترامب " دون أن يقبل بالسباحة للخلف في هذا  "المحفل " الأولمبي  النووي .
لقد انقطع نفس العالم ، و لكن نفس إيران في هذا السباق النووي للوصول إلى خط النهاية لم ينقطع بعد . 
بعد مرور قرابة خمس سنوات على انقطاع الحبل السُّري للاتفاقية النووية ، تغير العالم كثيرا .
للعودة إلى طاولة المحادثات في عاصمة الأنس " فيينا " ، بحاجة إلى الكثير من نقلات أحجار الشطرنج ، و تقسيم الأدوار في منطقة الشرق الأوسط بطريقة قد تكون صادمة لكل من تعامل مع شيء اسمه سياسة في العقود الماضية و خاصة من أهل الصنعة . 
هناك أكثر من سيناريو متداول لإعادة إيران  إلى طاولة المفاوضات من أجل ترقية  " الأنس " إلى " عرس نووي " بهيج ، لا بد من وجود " عروس " لتقديمها على طاولة الشطرنج النووي بعيدا عن الانشطار السياسي .

سيد الموقف.. الغموض!

العقوبات كادت تصبح أمرا روتينا بالنسبة لأميركا لأكثر من أربعة عقود ، و هي مؤثرة على الشعب ، و لكنها غدت عبثية مع النظام الذي يتخذ ذات العقوبات ذريعة لتقوية موقفه الداخلي ، لأنه يحرك الجانب القومي ، هنا يصبح الأمر موضوع دولة و ليس النظام الحاكم الذي تتغير حكومته في كل دورة رئاسية .
إيران تريد المضي مع  الإتفاق النووي بشرط رفع تلك العقوبات ، و بدون وضع بنود إضافية على كاهلها ، كالسلاح البالستي أو خمسة + 2 ، و أعني بذلك مشاركة دول الخليج في محادثات " فيينا " . 
لو استبعدنا سيناريو ضرب المنشآت النووية الإيرانية ، كما حدث في عراق صدام . 
نذهب قليلا إلى أروقة الصراع حول هذه المستجدات ، لنسبر أغوار بعض لقاءات المعنيين بالوضع المضطرب . 
الغموض ، هو سيد الموقف حتى الساعة ، و هو ما نراه عند وزير الخارجية الأميركي خلال إحاطة صحفية حول الاتفاق النووي مع إيران قوله : ننظر في خيارات أخرى مع إيران ولن نتساهل مع مجيئها إلى التفاوض دون نية جادة ، فطريق الدبلوماسية مع إيران يقصر ولكنني لن أضع له حدًا زمنيًا . 
و أما البيان " الخليجي - البريطاني " ، فقد جاء فيه بأن : 
استمرار إيران بالتصعيد النووي يقوض الأمن الإقليمي والدولي ، و أن محادثات فيينا هي الفرصة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي . 
بعد الآن ستبقى " فيينا " في حيرة من أمرها بين الأنس و العرس ، أو اليأس الذي لا نريد  له أثرا على السلم الإقليمي أو العالمي . 
هناك لغط شديد بين مقدار العداء بين إيران  التي تروج لمسح إسرائيل من الوجود ، و إسرائيل التي تسوق إيران على أساس أنها تعتبر خطرا وجوديا على  العرب . 50

أيهما خطر وجودي .. إسرائيل أم إيران ؟!

رغم اقتراب الدولتين من نقطة التصادم العسكري في الأراضي السورية المشتعلة ، إلا أن رصاص جنودهما لم تصب أحدا منهما في مقتل التماس بالصواريخ بالقواعد الإيرانية في سوريا .
بعد الضغوطات المشددة على إيران اعتقد البعض بأن الضربة القاضية على إيران قد أصبحت قاب قوسين بواسطة إسرائيل .
في الوقت الذي تكثف إيران مناوراتها عبر الطائرات المسيرة ." درون " حيث أطلقت  مناورة عسكرية تشارك فيها 50 طائرة من دون طيار في الخليج ضمن مناورات تعرف باسم "إلى بيت المقدس 1".* وهذه هي المناورات الأولى من نوعها في إيران، من حيث حجم مشاركة الطائرات المسيرة، وبمدى يتجاوز 1000 كيلومتر. واستخدمت إيران طائرات RQ170 من دون طيار، والتي شككت عدة تقارير في فاعليتها بعدما حاولت طهران تصنيعها باستخدام تكنولوجيا الهندسة العكسية .
و ماذا فعلت لإسرائيل أيضا ، ذكرت محطة تلفزيونية إسرائيلية، أن جهاز الأمن الداخلي "شين بيت" يشتبه في أن إيران تمكنت من اختراق الهاتف المحمول لـ"بيني جانتس"  ، مضيفة أن "جانتس" وهو رئيس أركان سابق، أُبلغ بالاختراق مسبقا   ، وأن "شين بيت" تعتقد أن المخابرات الإيرانية تمكنت من الوصول لمعلومات شخصية ومراسلات لـ"جاننتس" .
من فصول تلك اللعبة أن إيران على الأجندة اليومية للسياسة الأميركية ، فها هي  وكيلة وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية سيغال ماندلكر،  أعلنت عن تأسيس وحدة لمكافحة تمويل إيران للإرهاب في عهد ترامب  ، التي تعتمد سياسة "الضغوط القصوى" ضد طهران. وقالت في إفادة أمام اللجنة الفرعية لمجلس النواب الأميركي إن هذه الوحدة ستنسق بين الوكالات الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة للتصدي لأنشطة إيران التي تزعزع الاستقرار وتدعم الإرهاب .

الإستقرار بين ذراعي .. إسرائيل و إيران  ؟!

فيما اليد الطولى لإيران عبر ذراع " حزب الله " تواصل فصول اللعبة الكرتونية المسلية في قلب إسرائيل و هو ما أشارت إليه  مصادر استخباراتية إسرائيلية، إن وحدة "ملف الجولان" التابعة لحزب الله كانت تعمل في سوريا دون علم دمشق. ونُقل عن ضابط في المخابرات الإسرائيلية قوله: "نفضح هذا البرنامج الإرهابي بينما بشار  في مكتبه ولا يعلم به"، في إشارة إلى قيام الجيش الإسرائيلي بكشف ما أكد أنه وحدة سرية تابعة لحزب الله اللبناني تم تشكيلها في الجولان بقيادة علي موسى دقدوق، بهدف العمل ضد إسرائيل وقت الحاجة .
فإذا أطبقت إسرائيل و إيران ذراعيهما لعصْر ما تبقى من استقرار العالم العربي فما هي الخيارات المتاحة أمامه لمواجهة عدوين لدودين في وقت واحد 
فخروج أميركا من اليمن و سوريا والعراق و أفغانستان وغيرها من مناطق نفوذ إيران لا شك أنه من صالح مشروع التوغل الإيراني في المنطقة ، فكيف بذلك تضمن أميركا وقف طهران عند حدودها الجغرافية ؟!
و ها هو وزير دفاعها يهدد و يتوعد بقوله : في سكاي نيوز.. سيكون لنا رد مباشر إذا شنت البحرية الإسرائيلية هجمات على مبيعات النفط الخاصة بنا .
هذه المناورات السياسية و الظاهرة الصوتية صرنا نسمعها منذ أكثر من أربعة عقود من عمر الزمن الإيراني للملالي ولم تحرك أميركا أسطولا واحدا تجاه النظام في طهران و لم تُفعِّل إسرائيل قولها بالضربة الخاطفة و قد خطفت إيران من العرب أربعة عواصم كما تزعم و لم تصبها من قبل العرب قاصمة .
في السياسة الدولية هناك ألعاب تمارس بين الدول كما هي في المجال الرياضي ، فهناك لعبة " رأس الأفعى " و لعبة " الدجاجة " و لعبة " الشطرنج " و لعبة " الدومينو " و غيرها مِن الألاعيب التي لا حصر لها ، و التي تختتم بلعبة الأمم و اللعب بها .

الرفع .. و الكبس !

و اللعبة المتداولة بين أمريكا يمكن تصويرها في لعبة الطائرة و جزئية الرفع من قبل طرف و الكبس من الطرف المقابل و العكس صحيح، و لكن دون أن يكسر   طرفا عظم  الآخر .
و لو راجعنا أدبيات العقود الماضية ، فالوضع لم يخرج عن هذا السيناريو المرسوم بدقة متناهية و إن كان الطرفان في حالة من اللهاث بالأحمال و بدونها .
فلنبدأ بمشاهدة المباراة من أزمة رحلة ناقلات النفط الإيرانية الخمس إلى فنزويلا ، من خلال ما قاله روحاني في مكالمة هاتفية مع أمير قطر ، حيث ذكر 
بإن إيران سترد بالمثل في حال تسببت الولايات المتحدة بأي مشكلة لناقلات النفط الإيرانية في الكاريبي أو أي منطقة أخرى، وأضاف :  الرئيس السابق: بأن إيران لن تكون البادئة بأي نزاع، لكنها ستدافع عن حقها المشروع في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها .
هكذا ترفع إيران الكرة في وجه أميركا ، بانتظار الكبسة التالية ، مع أخذ الوضع المناسب للرفع من جديد .
و من هذا المنطلق قال مسؤول أميركي لموقع "Free Beacon"، إن بلاده "لن تتساهل مع محاولات إيران للتدخل في الشؤون الفنزويلية"، في إشارة إلى ناقلات النفط الإيرانية التي في طريقها للوصول إلى السواحل الفنزويلية. وتأتي هذه التصريحات كمؤشر قوي على احتمال أن تقوم البحرية الأميركية بإيقاف ومصادرة الناقلات قبل وصولها إلى فنزويلا .
‏ و  ليس شرطا اللعب في نفس الموضوع ، بل ما أكثر القضايا اليومية بين البلدين المتلاعبين بأعصاب المنطقة .
نذهب إلى الكبسات التي تخرج من أروقة المحاكم فمما ذكرتها الـ"Washington Post": حكمت محكمة بريطانية ،  على قطب الطيران ومهرب السلاح الإيراني- الأميركي  الجنسية، "فرهاد عظيمة"، المرتبط بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وفضيحة إيران كونترا .

ضاق .. " المضيق " ؟!

وذلك على خلفية سلسلة من النزاعات التجارية. وجددت القضية تساؤلات حول ما إذا كان "فرهاد " يمتلك، ما وصفه أحد المحامين، بطاقة مفتوحة للبقاء خارج السجن نظير الأعمال السرية التي قدمها لحكومة الولايات المتحدة .
وقال المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية "بريان هوك"، إن لدى إيران الآن دوافع متزايدة للانسحاب من سوريا. وأضاف هوك، أن الولايات المتحدة لاحظت انسحابا تكتيكيا للقوات الإيرانية في سوريا .
و يضيف على ذلك موقع وزارة الخزانة الأميركية : بأن واشنطن تفرض جولة جديدة من العقوبات على إيران، و وزير الداخلية الإيراني، "عبد الرضا فضلي" . 
و قد  أشار إلى ذلك بومبيو في أحد المؤتمرات الصحفية قوله : 
- فرضنا عقوبات على وزير الداخلية الإيراني لتسببه في مقتل الكثير من المتظاهرين
- إيران هي الخطر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط .
و في التوترات الأخيرة التي أصابت منطقة الخليج وجهت الولايات المتحدة تحذيراً ضمنياً لإيران من الاقتراب من السفن الأميركية في مياه الخليج ومضيق هرمز بمسافة أقل من 100 متر، مؤكدة أنها ستعتبر حدوث ذلك تهديدا لأمن قواتها ، و ذهبت أميركا أبعد من ذلك عندما قال بومبيو  : إن الولايات المتحدة ستفرض، عقوبات على شركة "Shanghai Saint Logistics Limited" والتي تتخذ من الصين مقراً لها، بسبب عملها  مع شركة ماهان إير الإيرانية للطيران والتي صنفتها الولايات المتحدة ككيان داعم للإرهاب بسبب دعمها الحرس الثوري الإيراني المصنف كمنظمة إرهابية .

المشهد .. باختصار

لقد مررنا على فترة ترامب في الحكم ، مع قراراته المترددة حيال إيران من موقع المسؤولية، حتى ظن بعض المحللين أن سوف تصاب في عمق دارها ، و لكن انتهى فترة ترامب الأولى، و من بعدها فترة " بايدن " و معه " كمالا هاريس " التي تولت الرئاسة بعد تنحي الرئيس بايدن إلى حين سقوطها أمام ترامب ، لم يتحرك هذا الملف النووي الإيراني قيد أنملة ، إذا علينا انتظار الفترة الأخرى لنرى نجوم السياسة في عز النهار  ؟!