باور بريس

د. أحمد الراجحي يكتب : التعدين في مصر .. التشخيص و العلاج

الدكتور أحمد الراجحي
الدكتور أحمد الراجحي


تتسم علوم البحث وتنمية واستغلال المعادن بالعمق والصعوبة، و لحاجتها لتكنولوجيا متطورة, فإكتشاف المناجم امرا نادرا وليس بالسهل ويخضع لقواعد واسس واكواد عالمية , وهناك تنافس شديد بين دول العالم لجذب المستثمر التعدينى الجاد, فقوة إقتصاد البلاد قائمة على الانتاج وانخفاض معدلات البطالة, و التعدين من أهم الصناعات المحققة لذلك,  ليس فقط بسبب اكتشاف وإنتاج الخامات اللازمة للصناعات المختلفة ولكن أيضا لدعم التعدين للصناعات القائمة على تلك الخامات وما يترتب على ذلك من تدريب وتأهيل العاملين وتقدم الأبحاث العلمية  اللازمة لتحسين الأداء , فالاستثمار التعديني يمثل قطاعا هاما في العديد من التجارب التنموية الناجحة على مستوي العالم.
ومصر قد حباها الله بمميزات يندر تكرارها, بموقعها الجغرافي المتميز وتاريخها العريق ,جيولوجيتها الواعدة وبنيتها الأساسية،مما يجعلها ارضا خصبة للاستثمار التعديني إذا استغلت تلك المميزات وأحسن ادارتها , ليس فقط بتصدير المعادن ومشتقاتها، لكن  بتصدير معدات المناجم ، وتكنولوجيا البحث و استخلاص المعادن وخبراء التعدين والعمالة المدربة إلى جميع دول العالم لكن يظل العائق هو عدم التحديث الحقيقي للنظم التشريعية والاقتصادية فيها مما يقف حائلا امام زيادة الاستثمارات التي تتأثر بشدة بالبيئة الاستثمارية المحلية وبالتالي انخفاض مستوي النمو في الناتج المحلي الإجمالي لها.
هناك ثروات تعدينية هائلة غير معروفة (ليست مناجم) في سيناء والصحراء الشرقية والغربية، كذلك في المياة الإقليمية المصرية في البحر الابيض والبحر الأحمر، اكتشاف تلك الثروات، سوف ينتج عنه بناء مناجم عالمية للذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها من المعادن النادرة الأخرى وصناعات أخرى خدمية ومكملة لتلك المناجم، وكل ما هو مطلوب ان نجذب ونشجع المستثمر الخبير في هذا المجال لاكتشاف تلك الثروات.
وعلى خلاف ما قد يظن الكثيرون، فحتى يتم اثبات وجود منجم اقتصادي، نحتاج لسحب ألاف العينات للتأكد من وجود الخام من عدمه، ثم قياس مدى انتشار الخام في الموقع وكميته وحساب الاحتياطي المؤكد يتلو ذلك القيام بدراسات ميتاليرجية معقدة لتحديد الطريقة المثلى لاستخراج المعدن من الصخور وهو ما يختلف من معدن لأخر ومن موقع لأخر، حيث انه من الوارد وجود المعدن بكميات اقتصادية لكن مع انعدام وجود طريقة فنية لاستخراجه فبالتالي لا وجود لمنجم من الاساس 
يتلو ذلك القيام بدراسة الجدوى الاقتصادية والمالية وحساب تكاليف الانشاء من مصنع استخلاص ومعدات ومرافق وتكاليف تشغيلية دورية ومقارنتها بالسعر العالمي لكمية الاحتياطي المؤكد من الخام، فلو كانت قيمة الاحتياطي أكبر من التكاليف، هنا فقط يمكن القول بوجود منجم، اما ان كان العكس فلا يمكن علميا او اقتصاديا القول بوجود منجم ولكن هي فقط حالة (تمعدن). 
إن البحث عن هذه الثروات في حد ذاته - حتى قبل الوصول لمرحلة الاستغلال - سوف يخلق طفرة في الاقتصاد وعمل مجدي مثمر لشباب مصر، وسوف يوطن تكنولوجيا جديدة في مجالات مختلفة، كما سوف ينشط ويمول الابحاث المطلوبة في الجامعات والمعاهد البحثية 
ولا ادل من ذلك سوي ان بعض الدول في افريقيا وأمريكا الجنوبية وقد كانت في السابق لا تثير اهتمام شركات التعدين العالمية أصبحت الان مركز جذب استثماري هام لتلك الشركات بعد ان حدثت بها ثورات تشريعية مما اوصلها لمرحلة النضج جعلها تتجه لدعم سيطرة الشركات العالمية على عمليات الإنتاج داخلها والتحول الجوهري نحو الملكية الخاصة، فهناك تنافس شديد بين دول العالم لجذب المستثمر التعديني الجاد
ان دور الحكومات ليس ان تكون مستثمرا سواء في قطاع التعدين او غيره من قطاعات الاقتصاد و لكن دورها الأساسي هو التنظيم و الاشراف القانوني و تنمية المناخ الإيجابي لخلق قطاع تعديني فعال و تطوير الصناعات التكميلية و الأنشطة ذات القيمة المضافة , فالحقيقة بلا مواربة ان الحكومات لا تمتلك المعرفة ولا الخبرة العملية بأعمال و فنيات صناعة التعدين كما لا تملك مؤسساتها القدرة التمويلية على اخذ مخاطر التنقيب المالية بافتراض توافر المخصصات من ميزانية الدولة أساسا,  فلقد حسم الجدل الخاص بقدرة تلك المؤسسات على استثمار رؤوس أموالها - أموال دافعي الضرائب - لغير صالحها.
لذلك من الضروري أن يكون هناك نظام مالي وقانوني صحي حتى يتسنى تنميه تلك المشروعات، ويجب أن نعترف أنه لن ينمو قطاع التعدين في مصر بدون جذب المستثمر التعديني ذو الخبرة والإمكانيات المادية والعلمية، وان هذا المستثمر لن يأتي إلى مصر إلا إذا كان هناك ما يجذبه. فالتعدين صناعة عالمية، الشركات الجادة دائما امامها مشروعات تحت الدراسة في دول متعددة وسوف تتجه فقط للمشروعات في الدول الجادة التي تملك نظام شفاف وثابت، ولابد ان نعمل كل ما في استطاعتنا ان تكون مصر من هذه الدول، فمصر ليست جزيرة معزولة عن بقية العالم
بل نحن جزء لا يتجزأ منه، تقدم بلادنا لابد ان يكون مبنى على قبولنا التحدي وإبداعنا عمليا وعلميا وتكنولوجيا.
تطوير الثروة المعدنية في مصر سوف يعود على البلاد بدخل سنوي لن يقل عن تريليون جنيه ويوفر فرص عمل مباشر لمليون مصري ومن ثلاثة لأربعة أضعاف هذا العدد على الاقل عمالة غير مباشرة (اضاف منجم السكرى وحده ما يقرب من ٨ مليار دولار للناتج القومي المصري ووفر ما يقرب من ٥٠٠٠ ألاف فرصة عمل) 
كما سوف يؤدى إلى إنشاء صناعات جديدة في مجالات الخدمات التعدينية والصناعات المكملة، التي سوف توفر دخل آخر وفرص لعمالة أخرى، مصر سوف تكون المركز التعديني لكل القارة الأفريقية، الشرق الأوسط وجنوب أوروبا. 
من الممكن أن يتحقق كل هذا في غضون سنوات قليلة إذا بدأنا، ومصر سوف تبدأ في جنى ثمار هذا القانون من السنة الأولى، حيث ستبدأ من ١٥٠ إلى ٢٠٠ شركة تعدين من ضمنها شركات التعدين العالمية العمل فورا
لكن للأسف غياب الوعي التعديني مازال متمكنا من بعض صانعي القرار، و الذين يجهلون تماما مراحل المشروع التعديني من الاستكشاف إلى التنمية والإنتاج، بدليل الشروط الغريبة المنصوص عليها القانون الحالي,وغياب الوعي يسبب للمستثمر مشاكل عظمى في الاسواق العالمية، حيث ان القيمة السوقية للشركة تتأثر سلبيا لعملها في بلد صعب، ويسبب لمصر مشاكل أكبر كثيرا لرفض المستثمرين العمل بها. 
هناك خرائط استثمارية للعالم موضح بها الدول الامنة للاستثمار، مستثمري التعدين لهم خريطة خاصة من ثلاث ألوان، اللون الاحمر وهي البلاد
التي لا يجب عليك ان تفكر في الاستثمار بها تحت أي ظروف، اللون الاصفر وهي البلاد الممكن الاستثمار بها، بعد دراسة عميقة وحذر واللون
الاخضر وهي البلاد التي يستثمر بها بدون حذر
مصر كانت فى المنطقه الحمراء قبل بدأ اعمال الشركه الفرعونيه، وإكتشاف السكرى، نقلها لفتره إلى المنطقه الصفراء قبل ان تعود مجددا لنقطة البداية بعد احداث يناير 2011 

فلا العائد المباشر من المشروع سواء كان اتاوه او ضرائب او حتى حصة المشاركة فى الانتاج او الارباح هو المهم، فكثير من دول العالم يمنح اعفاء للمشروعات التى ينطبق عليها المواصفات الاربعه المذكوره من الضرائب لعدة سنوات بل ان بعضها تمنح إعفاءات ابدية كدبى وسنغافورة 
لكن مصر - للأسف - تقوم بتقييم المشروع حسب العائد المالى المباشر وحده، ولذلك فهي تفشل فى جذب الاستثمارات طويله الأجل، والتى هى ركيزه الاقتصاد القوى
كما ان نظام المزايدات  يمثل تجسيد للفشل و يفتقد للعلمية ، وليس فى صالح مصر على الاطلاق, فهو قائم على اعتقاد  الهيئه انها تعى أين تتواجد التمعدنات للمعادن المختلفه  فى جميع ارجاء مصر ، وهو اعتقاد خاطىء تماما، فالتمعدنات التى تم اكتشافها هي بعض التمعدنات السطحيه و التى تم التعرف على معالمها، لكن هناك تعمدنات سطحيه لم يتم التعارف عليها وهناك تمعدنات مدفونه قد تكون على بعد سنتيمترات قليله او آلاف الأمتار بعضها له علامات سطحيه غير معروفه وبعضها ليس لها اى علامات  سطحيه علي الاطلاق، و اكتشاف تلك التمعدنات يتطلب وجود مستثمرين على علم وذوي خبره ، ، ولن يتحقق ذلك سوي بالتخلي عن نظام تحديد الاراضى بالمزايدات وترك امر اختياريا للمستثمرين