السبت 14 يونيو 2025

منيرة محمود تكتب : بين النار والحدود… مصر وجيشها في قلب العاصفة

باور بريس

في الوقت الذي تنكمش فيه كثير من الجيوش النظامية في المنطقة تحت وطأة الانقسامات أو التدخلات الخارجية تواصل القوات المسلحة المصرية أداء دورها التاريخي كصمام أمان للدولة وحصن متين يحمي مقدرات الوطن وسط محيط تتقاطع فيه خطوط النار والدم.
ليست المسألة هنا شعارات ولا ترديدًا محفوظًا لعبارات التمجيد بل هي قراءة واقعية لمشهد إقليمي غير مسبوق في تعقيده ودور مركزي تنهض به المؤسسة العسكرية المصرية بدرجة من الاتزان لا تقل عن الصرامة.

فمن جنوب البلاد حيث تتفاقم الأزمة في السودان تتحرك عناصر الدعم السريع في اتجاه الحدود المشتركة بينما يتراجع الجيش السوداني من مناطق حيوية الأمر الذي يحول المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان إلى منطقة غليان تهدد بالتحول إلى بؤرة تهريب واختراق.

غربًا، لا يزال المشهد الليبي هشًا رغم سنوات من التعهدات والاتفاقات الانقسام السياسي والعسكري هناك بات يُترجم إلى تهديدات مباشرة لكل من يجاور هذه الأرض المنهكة وعلى رأسهم مصر التي تتعامل مع حدود طويلة ومفتوحة تمتد معها احتمالات التسلل والتهريب ومرور العناصر المتطرفة.

أما شرقًا فلا حديث يعلو فوق صوت المعاناة في غزة حيث تغلي الحدود مع استمرار العملية الإسرائيلية، ويظل معبر رفح واجهة الضغط السياسي والإنساني معًا.
وبينما يتلقى المصريون إشادات بدورهم الإغاثي لا تغيب عن الأعين محاولات البعض تحويل المعبر إلى ساحة استثمار فوضوي سياسيًا وشحن عاطفي عبر حملات مدفوعة الهدف منها تفكيك الثقة في مؤسسات الدولة.

وفي مشهد موازٍ تشتعل الجبهة الشرقية للمنطقة بعد الغارات الإسرائيلية المكثفة على أهداف داخل إيران فجر اليوم. 
تصعيد غير مسبوق يُعيد رسم خارطة التهديدات في الشرق الأوسط ويفرض على جيوش المنطقة – وفي مقدمتها الجيش المصري – استعدادًا يتجاوز حدود التحليل السياسي إلى الجاهزية الميدانية فكل تصعيد بين طهران وتل أبيب يعني إعادة خلط أوراق التحالفات والنزاعات واحتمال انزلاق بعض بؤر التوتر إلى أطراف أخرى عبر موجات لجوء أو زعزعة اقتصادية أو حتى محاولات إشغال الأطراف المستقرة.

في هذا المناخ لا تتحرك القوات المسلحة كآلة حربية فقط بل كعقل دولة يوازن بين ضرورات الأمن ومقتضيات السياسة فكل قرار ميداني مرتبط بحساب دقيق للمآلات وكل تمركز عسكري يعكس إدراكًا لمعادلات إقليمية لا تحتمل الخطأ.
الجيش المصري بتكوينه الحديث واستراتيجيته المتدرجة لا يعمل بمنطق رد الفعل بل بمنهج وقائي حيث الجبهة الداخلية محمية والحدود ممسوكة والرسائل المرسلة لكل الأطراف تؤكد أن مصر لن تكون طرفًا سهل الابتلاع في لعبة النفوذ الجديدة.

وهنا لا بد من التذكير بأن الجيوش لا تُقاس فقط بعدد الآليات والأسلحة بل بثقة المواطن فيها ساعة الأزمة، وقدرتها على تجنيبه مصيرًا كالذي نراه في دول الجوار.

الجيش المصري ليس ترفًا وطنيًا ولا مؤسسة تقليدية تؤدي وظيفتها على هامش السياسة بل هو اليوم وأكثر من أي وقت مضى محور الاتزان في دولة تخوض معركة وجود إنها معركة ليست بالسلاح فقط بل بالثبات بالرؤية وبالقدرة على العبور الآمن وسط عالم لم يعد فيه من يرحم الضعفاء.