السبت 28 يونيو 2025

محمد الشاهد يكتب : شهداء لقمة العيش على الطريق الإقليمي

حادث الإقليمي
حادث الإقليمي

 

في صباح الجمعة، خرجت فتيات من قرية كفر السنابسة يحملن همّ الأيام وأمل الغد. استقلّين ميكروباصًا متجهًا إلى أحد مصانع مدينة السادات، بحثًا عن يوم عمل جديد مقابل 130 جنيهًا، حتى في يوم إجازة.

لم تكن أيٌّ منهن تعلم أن هذه الرحلة ستكون الأخيرة، وأن الطريق الإقليمي سيكتب نهايتهن بدم بارد تريلا محملة بمواد بترولية، تسير عكس الاتجاه، باغتتهن بقوة لا ترحم، فحوّلت الميكروباص إلى كومة حديد، وأجساد الفتيات إلى أشلاء.

19 بنتًا رحلن في لحظة، بينهن: شروق، تقى، ملك، رويدا، شيماء، سمر، هنا، أسماء، ميادة، هدير، مروة، أروى، ضحى، آية، جنى، إسراء، سارة، شيماء أخرى، وواحدة لم تُعرف هويتها بعد.

كل واحدة منهن كانت تحمل حلمًا بسيطًا: مساعدة أم، تعليم أخ، تجهيز زواج، أو حتى شراء شيء تحبه. لم يطلبن المستحيل، فقط حياة كريمة، لكنهن لم يجدن سوى موت مفاجئ، دون وداع، دون فرصة للنجاة.

في قريتهن، لم تُرفع رايات الفرح منذ سنوات، لكنها لم تنكس يومًا كما انكسرت اليوم. الأمهات يصرخن في الشوارع، والآباء يحفرون قبورًا بدموعهم، والقرية كلها واقفة في عزاء مفتوح لا ينتهي.

الطريق الإقليمي، الذي وصفوه يومًا بـ”المعجزة”، أصبح لعنة على من يسلكه. بلا رقابة، بلا إضاءة، بلا تحذيرات، وبسائقين يقودون كأنهم في سباق مع الموت. من يُحاسب؟ من يوقف هذا النزيف؟ من يسمع صوت من لم يعد لهن صوت؟

من يتحمّل دموع أم شروق؟ من يواسي والد تقى؟ من يشرح للناس لماذا تسير تريلا عكس الاتجاه؟ ولماذا لا يوجد رجل رشيد يوقف هذا العبث؟ كيف يُفتح طريق تحت الصيانة أمام المارة؟ كيف تُترَك حياة الناس لهذا القدر من الإهمال والوحشية؟

لسنا نكتب فقط عن حادث. نحن نكتب عن جريمة مكتملة الأركان. جريمة إهمال، وصمت، ولا مبالاة. جريمة قتل ببطء… لكنها متكررة.

إلى متى نظل نكتب عن شهداء لقمة العيش؟ إلى متى ندفن أحلام الفقراء تحت عجلات النقل الثقيل؟
من يعيد لنا أرواح البنات؟ لا أحد.
لكننا على الأقل سنظل نذكر أسماءهن… وسنظل نصرخ، حتى يسمعنا من بيده القرار.

رحم الله شروق، تقى، ملك، رويدا، شيماء، سمر، هنا، أسماء، ميادة، هدير، مروة، أروى، ضحى، آية، جنى، إسراء، سارة، شيماء… ورحم الله المجهولة التي رحلت بلا اسم، لكنها ليست بلا قيمة.

إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.