السبت 02 أغسطس 2025

أزمة منتصف العمر - بقلم عبدالفتاح موسى

باور بريس

في البداية، لا تدرك متى بدأت تمر الأيام كعادتها، و التفاصيل تتكرر، والمواقف تتشابه، لكن هناك شيئًا داخلك يتغير بصمت.

ثم في صباح يوماً من الايام ، تنظر إلى المرآة فتكتشف أن ملامحك لم تعد كما كانت.
قميصك القديم لا يُغلق كما كان، و نظراتك فقدت تلك اللمعة، ووجهك يبدو وكأن الزمن مرّ عليه فجأة.
تبتسم لنفسك وتقول: “ها قد كبرنا" لكن الابتسامة لا تكتمل.

تتوالى الأيام، فتكتشف أن التغيّر لم يقتصر على شكلك.
هناك شيء في داخلك انطفأ.
حماسك القديم خفت، اندفاعك تراجع، وصوت داخلي بدأ يتحدث إليك بحذر "لا تغامر… لم يعد الوقت كما كان.”

تحاول أن تستعيد ما ضاع.
تذهب إلى صالة الرياضة (الجيم) ، ترتدي ملابس مختلفة، تفكر في مظهر جديد، وربما تتخذ قرارات مفاجئة.
تضحك أحيانًا، وتتحمس للحظات… ثم تصمت.
كل ما تفعله يبدو ناقصًا، ليس لأنه بلا معنى، بل لأن في داخلك سؤالًا لم تجرؤ على مواجهته بعد "هل ما زلت أنا؟”

وفي لحظة هادئة، حين يسكن البيت ويعمّ الصمت، تجلس مع نفسك تغلق النور، وتبدأ في استرجاع شريط العمر تتذكر أحلامك الأولى، طموحاتك القديمة، تلك اللحظات التي كنت تظن فيها أنك قادر على كل شيء.

تسأل نفسك بصدق
هل هذا هو الطريق الذي أردته؟
هل كانت اختياراتي حقيقية؟
وهل ما زال هناك وقت للعودة والتغيير؟

وهنا يتسلل وعيٌ مؤلم، لكنه نقي وصادق.
لقد وصلت إلى منتصف الطريق.
تنظر خلفك، فتجد عمرًا لم يكن كما تمنيت، وتنظر أمامك، فتدرك أن القادم لم يعد مفتوحًا كما كان.
ومع هذا الإدراك، تنكشف الحقيقة.

بعض الناس حين يصلون إلى هذه المرحلة، يهربون…
يغرقون في علاقات عابرة، أو تغييرات سطحية، أو محاولات هروب لا تسمن ولا تغني من وجع.

وآخرون… يواجهون يتوقفون، يعيدون ترتيب حياتهم، يراجعون انفسهم ، ويبدؤون من جديد.
لا لأنهم يريدون أن يعودوا شبابًا، بل لأنهم لا يريدون أن يفقدوا ما تبقى من العمر دون معنى.

أنت لست وحدك، وما تمر به ليس نهاية.
أزمة منتصف العمر ليست لعنة، بل فرصة لتصالح نفسك، لتغفر لها ، لتمنح أحلامك فرصة أخيرة.
ليست نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية.

قف، وقل لنفسك "لقد مرّ نصف الطريق، فليكن النصف الباقي لي، كما أريده أنا.”

اعتنِ بجسدك، لا لترجع كما كنت، بل لتحافظ على ما تبقى.
غيّر ما يلزم تغييره، حتى وإن تأخرت، فالتأخر الحقيقي أن تستسلم، لا أن تعيد المحاولة.

لا تترك النصف الثاني من عمرك يمر كظلّ بلا أثر.
اختر أن تبدأ… أن تنضج… أن تعيش.


و في النهاية يا عزيزي عليك ان تعلم ما تمر به ليس وهمًا ولا هو مجرد مرحلة وستنتهي وحدها.
إنه صوت العمر حين يهمس في أذنك قائلًا "لم يعد هناك وقت كثير لتؤجل حياتك.”

هو اختناق داخلي لا يراه أحد،حزن خافت لا تبكيه علنًا،
وشوقٌ دفين إلى نفسك القديمة التي لا تعرف كيف تعود إليها.

لكنك لست مكسورًا، حتى وإن شعرت بذلك أنت فقط مرهق… لأنك ظللت طويلًا تحاول أن تكون قويًا.

اجلس مع نفسك بصراحة…
وابكِ إن لزم، واغضب إن احتجت، لكن لا تُكمل الطريق ناسيًا قلبك خلفك.

سامح نفسك على كل ما لم تفعله.
واصفح عنها على كل ما فعلته دون وعي.

ثم قف من جديد واختر أن تُكمل، لا كما كنت، بل كما تستحق أن تكون.

فالمنتصف لم يُخلق لتسكن فيه بل لتتوقف لحظة و تلتقط أنفاسك، وتستعيد ما تبقى منك ثم تمضي…
وفي عينيك تلك النظرة التي تقول:
“ما زال لدي عمرٌ أعيشه كما أريد، لا كما فُرض علي.”