الأحد 07 سبتمبر 2025

من المسرح إلى المجلة.. كيف غيّرت روز اليوسف وجه الصحافة العربية ؟

باور بريس

  

قبل مئة عام، ولدت على ضفاف القاهرة مجلة حملت اسم سيدة جاءت من خشبة المسرح إلى خشبة التاريخ روز اليوسف لم تكن مجرد مطبوعة بل منصة صاخبة بالتنوير والسخرية والجرأة كسرت القيود وواجهت الرقابة فصارت مرآة لزمنٍ كامل وأيقونةً تتجدد مع كل جيل.

واليوم ونحن نحتفل بمئويتها نعيد اكتشاف كيف صنعت أعدادها التاريخية سجلًا بصريًا وسياسيًا واجتماعيًا يشبه أرشيف الأمة نفسه من لحظة تأميم القناة، إلى نكسة 67 إلى عبور 73 وصولًا إلى ثورة يناير وما بعدها.

 إن مئة عام من روز اليوسف ليست مجرد حكاية مجلة، بل حكاية وطن يكتب نفسه بالحبر والكاريكاتير والكلمة الحرة.

فاطمة يوسف المعروفة بـ"روز اليوسف" ولدت في لبنان عام 1898 وهاجرت إلى مصر في سن العاشرة بدأت مشوارها الفني على خشبة المسرح مع فرقتي جورج أبيض ويوسف وهبي، حتى لُقبت بـ"سارة برنار الشرق". 

 

في أكتوبر 1925 أُطلقت المجلة التي تحمل اسمها مُتخذة من الكاريكاتير والسخرية والتناول الجريء سلاحًا قويًا في وجه التقاليد والرقابة. 

قال عنها الكاتب توفيق الحكيم "لم تكن روز اليوسف امرأة عادية بل كانت مؤسسة قائمة بذاتها جمعت بين الجرأة والذكاء والإصرار."

منذ العدد الأول حملت المجلة طابعًا خاصًا: الكاريكاتير كأداة سخرية سياسية والمقالات كمنبر للتنوير لم تتردد روز في مناقشة أكثر القضايا حساسية من السياسة إلى الفكر والدين والفن.

الكاتب الكبير مصطفى أمين وصفها بقوله "كانت روز اليوسف صحفية بالفطرة، تؤمن أن الكلمة أقوى من المدفع."

 أعداد صنعت التاريخ

على مدى 100 عام أصدرت المجلة أعدادًا تحولت إلى وثائق تاريخية:

1925 – العدد الأول: تضمن مقالات جريئة وكاريكاتيرات ناقدة وضعتها في مرمى الرقابة منذ البداية.

ثلاثينيات القرن العشرين: ناقشت الملكية والديمقراطية وواجهت محاولات المصادرة أكثر من مرة.

ثورة يوليو 1952: غلاف المجلة حمل صور الضباط الأحرار ومانشيت نهاية عهد الملكية.

نصر أكتوبر 1973: أعداد زُينت بصور الجنود والعلم المصري.

الثمانينيات والتسعينيات: جدل حول الانفتاح وصعود التيارات الإسلامية.

عدد تأميم قناة السويس (1956): غلاف احتفالي تحوّل إلى وثيقة وطنية، عبر رسومات كاريكاتيرية لزمن الانتصار.

عدد يونيو 1959: بريشة صلاح جاهين، يُصوَّر جمال عبد الناصر ممسكًا بـ"جاروف الحفر"، كرمز لمشروع قومي ممتد.

أعداد النكسة (1967): غلاف حزين يعكس صدمة الأمة بينما المقالات تكتب بمرارة لكنها لا تفقد الأمل.

ثورة يناير 2011: المجلة عادت بروحها المتمردة لتغطي الاحتجاجات وأحلام التغيير.

لم يكن غلاف المجلة مجرد تصميم، بل كان خطابًا بصريًا من رسومات صلاح جاهين الساخرة في الخمسينيات إلى الأغلفة التي جمعت صور الملك فاروق عبدالناصر السادات ونجوم السينما مثل فاتن حمامة وعبدالحليم حافظ ظل الغلاف أداة للتعبير الشعبي والجماهيري.

في لحظات النصر والهزيمة كان الغلاف يُقرأ كبيان سياسي مختصر.

منذ عام 1928 واجهت المجلة المصادرة أكثر من مرة بسبب جرأتها لكنها لم تتوقف خاضت معارك فكرية مع السلطات وتعرضت لإغلاق وضغوط لكنها عادت في كل مرة أقوى.
بفضل مؤسستها وفريق صحفيين لامعين مثل إحسان عبد القدوس أحمد بهاء الدين صلاح جاهين وغيرهم تحولت “روز اليوسف” إلى مدرسة كاملة خرّجت أجيالًا من الصحفيين والكتّاب.

في أعدادها التذكارية مثل عدد 95 عامًا من النجاح جمعت بين الماضي والحاضر في لوحة واحدة تؤكد استمرارية الروح. 

مئوية ليست ورقية

الاحتفال بالمئوية اليوم ليس فقط استعادة أرشيفٍ من الأعداد التاريخية بل هو استدعاء لروح المجلة: الجرأة، والسخرية، والوعي، والإصرار على أن تكون الصحافة عينًا مفتوحة على المجتمع.


مئة عام من روز اليوسف = مئة عام من مصر بعيون أكثر جرأة وصدقًا.