أسامة سماحة يكتب:السفارات المصرية في الخارج… بين حماية القانون وصوت الشارع

شهدت عدة عواصم أوروبية خلال الأسابيع الماضية احتجاجات مثيرة للجدل أمام السفارات المصرية، كان أبرزها في هولندا وبريطانيا. في لاهاي، وصل الأمر إلى ما وصفه الإعلام الغربي بمحاولة إغلاق أبواب السفارة المصرية بالأقفال من قبل من سُمِّيَ هناك بـ”ناشط مصري”. وهنا لا بد من التوضيح: هذا توصيف أُطلق عليه في الخارج، لكنه لا يمثل المصريين ولا يعبر عنهم. فحرية التعبير في تلك الدول مكفولة، لكن تحويلها إلى أفعال مباشرة تمس بعثة دبلوماسية ـ كالاستهزاء بها أو محاولة إغلاق أبوابها ـ هو تجاوز غير مقبول، ولا يمكن أن يُسمح به لو كان أمام سفارة أمريكية أو بريطانية أو فرنسية.
ازدواجية المعايير
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لمواطن إنجليزي في فرنسا، أو فرنسي في إنجلترا، أو أمريكي في هولندا أن يتجمهر أمام سفارة بلده ويحاول إغلاقها بالأقفال؟ الإجابة واضحة: مثل هذا الفعل يُعتبر جريمة تمس الأمن القومي ويُواجه بإجراءات صارمة. السفارات الغربية الكبرى تُحاط عادة بحماية مشددة، من حرس مدججين بالسلاح إلى سيارات شرطة ترابط على مدار الساعة. أما في حالة السفارات المصرية، فقد مُنح المحتجون تصاريح بالتجمهر وسمح لهم بالوقوف أمام أبوابها، ما يعكس ازدواجية في المعايير وتراخيًا في تطبيق القانون الدولي.
بين المواطن والدولة
في مواجهة هذه الاحتجاجات، ظهر مشهد آخر لا يقل إشكالًا: مجموعات من المصريين المؤيدين للنظام اصطفوا أمام بعض السفارات في فرنسا وبريطانيا وهولندا بحجة حماية البعثات. لكن هل هذا هو دور المواطن المصري في الخارج؟ وفقًا لاتفاقية فيينا 1961، حماية السفارات هي مسؤولية الدولة المضيفة لا المواطنين. وحين يقف مصري في مواجهة مصري، أو عربي من جنسية أخرى، يتحول المشهد إلى صدام بين الجاليات، بدلًا من أن يكون تعبيرًا عن قوة وهيبة دبلوماسية.
الترحيل والبطولة الزائفة
بعض هؤلاء الذين تصدوا للاحتجاجات تم القبض عليهم ثم ترحيلهم إلى مصر. الأخطر أن الإعلام المصري سارع إلى تصويرهم كأبطال ورموز وطنية، بينما الحقيقة أنهم كانوا ضحايا مشهد عشوائي لم يكن واجبًا عليهم أن يتحملوا تبعاته. القوة لا تُقاس بصناعة بطولات زائفة، بل بقدرة الدولة على فرض احترامها بالقانون والدبلوماسية.
القوة الحقيقية
القوة ليست في الضجيج الإعلامي أو الاعتماد على الجاليات كدروع بشرية، بل في خطوات عملية وحكيمة:
• التلويح بالمعاملة بالمثل مع الدول التي تسمح بالاعتداء أو التجمهر أمام السفارات المصرية.
• رفع شكاوى رسمية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
• التشديد على التنسيق الأمني مع الدول المضيفة، لضمان حماية دائمة للبعثات.
• استخدام أوراق الضغط الاقتصادية والسياسية بدلًا من الزج بالمواطنين في صراعات لا تخصهم.
الخاتمة
ما جرى أمام السفارات المصرية في أوروبا لم يكن مجرد احتجاجات عابرة، بل رسالة مزدوجة: من الشارع الغاضب الذي يطالب بمواقف أقوى تجاه غزة، ومن الدول المضيفة التي لم تُبدِ الحزم نفسه الذي تبديه مع بعثات أخرى. بين حماية القانون وصوت الشارع، يبقى على القاهرة أن تختار طريق القوة الحقيقية: قرارات صارمة، دبلوماسية نشطة، ومواقف تُغني عن المشاهد العشوائية. فالدول تُحترم بأفعالها، لا بالتجمهر أمام سفاراتها، ولا بصناعة رموز مؤقتة من لحظات ارتباك