الجمعة 24 أكتوبر 2025

عبد الفتاح موسي يكتب: أين اليقين؟

باور بريس

 

هل تتذكّر يا عزيزي تلك القصص النورانية التي كانت تُروى لنا عن أنبياء الله؟
قصصٌ لم تكن مجرد حكاياتٍ قبل النوم، بل دروس يقين تمشي على الأرض.

تذكّر معي السيدة هاجر عليها السلام، حين أخذها نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى وادٍ لا زرع فيه، ولا ماء، ولا بشر… فقط صحراء صامتة ورضيعها سيدنا إسماعيل عليه السلام.
تركهما سيدنا  إبراهيم ومضى تنفيذًا لأمر الله، فقالت بكل طمأنينة:
“آلله أمرك بهذا؟”
قال: نعم.
فقالت بإيمان يملأ القلب نورًا:
“إذًا لا يُضيّعُنا الله.”

أي قلب هذا؟! أي يقين هذا الذي جعلها تواجه الفراغ والوحدة والظمأ برضا وثبات؟!
لم تسأل: كيف؟ ولا متى؟ اكتفت بالاطمئنان أن الله أمر… وأن الخير قادم مهما تأخر.

ثم تمر السنوات، ويعود سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى ابنه سيدنا إسماعيل الذي أصبح فتى قويًّا، ليقول له:
{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}
فيجيبه سيدنا إسماعيل بلا تردد، بلا جدال، بلا خوف:
{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}.
هذا ليس خضوعًا فحسب… هذا يقينٌ بأن أمرَ الله لا يأتي إلّا بخير، حتى لو بدا ذبحًا!

ويمر الزمن، ويأتي نور الهجرة… سيدنا محمد ﷺ يخرج من مكة مهاجرًا، يصحبه الصديق سيدنا أبو بكر رضي الله عنه.
ترك تجارته، بيته، ماله، أمانه، وخرج إلى مجهولٍ لا يعلم ما فيه، فقط لأنه واثق أن مع رسول الله لا خوف، وأن ما أمر الله به خيرٌ وإن غاب السبب عن العين.
في الغار حين خاف سيدنا أبو بكر على رسول الله، قال له النبي ﷺ:
{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}
فاطمأن القلب… لأن اليقين غلب الخوف.

يا الله… ما أعظم هذا اليقين!
ما أقوى هذا الإيمان الذي يجعل الإنسان يترك الدنيا خلفه، ويمضي مطمئنًا أن ما عند الله أعظم من كل شيء يفنى.

و ها نحن الان و قد امرنا الله ان يكون لنا فيهم أسوة حسنة… أين نحن من هذا اليقين ؟

نحن نردد القصص بألسنتنا… لكن لا نعيشها بقلوبنا.
نرتجف خوفًا على رزق لم يأتي  بعد، مع أن الله تكفّل به.
نقلق على أولادنا كأن الهداية والحفظ بأيدينا، وننسى أن الله هو الحافظ، وهو الهادي.
نأخذ بالأسباب كما أُمرنا… لكننا لا نُكمل الطريق بيقينٍ أن المُسبّب لن يخذلنا.
نهتز عند أول أزمة، ونظن أن الدنيا انتهت… وكأننا لا نعبد ربًا قال لنا :
{وَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا}.

اليقين يا عزيزي… ليس كلمة نُرددها.
إنه سلوك… رد فعل… قرار في لحظة خوف…
هو أن تقول: فعلت ما عليّ، والباقي على الله… ولن يُضيّعني.

اليقين هو أن تثق أن الله أعلم، وأرحم، وأقدر… وأن الخير قد يتأخر، لكنه لا يضيع ما دمت معه.