محمد عطيه يكتب: تمثيل مصر في المنتديات الدولية.. بين الحضور الدبلوماسي والغياب القيادي
تحتل مصر موقعًا محوريًا في خريطة الطاقة الإقليمية بفضل اكتشافاتها الضخمة من الغاز الطبيعي وتوسعها في مشروعات الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإن حضورها الدولي في مؤسسات الطاقة الكبرى لا يزال محدود التأثير مقارنة بحجم طموحاتها، إذ يقتصر في كثير من الأحيان على المشاركة الشكلية دون ترجمة ذلك إلى تمثيل فعّال في المناصب القيادية أو التأثير في صنع القرار الدولي.
رغم عضوية مصر الفاعلة في منتدى الدول المصدّرة للغاز (GECF)، إلا أنها لم تقدّم حتى الآن مبادرات ملموسة لتعزيز حضورها داخل هيكل القيادة في المنتدى. ففي حين تمكنت دول مثل روسيا وإيران ونيجيريا من حصد مواقع مؤثرة خلال السنوات الأخيرة، ظل الدور المصري محدودًا ومقتصرًا على المشاركة التمثيلية دون تبنّي أجندة قيادية واضحة. ويعكس ذلك غياب رؤية استراتيجية متكاملة لتفعيل القوة الدبلوماسية للطاقة المصرية على الساحة الدولية، على الرغم من امتلاك مصر لمقومات تؤهلها لتكون مركزًا رئيسيًا في صناعة الغاز الإقليمية والدولية
خلال الاجتماع الوزاري السابع والعشرين لمنتدى الدول المصدّرة للغاز (GECF) الذي عُقد في الدوحة في أكتوبر 2025، فازت نيجيريا بمنصب الأمين العام الجديد للمنتدى عبر مرشحها فيليب ميشيلبيلا، في سباق شهد منافسة من عدة دول.
وأفادت تقارير إعلامية عربية وأجنبية بأن المرشح المصري لم ينجح في الحصول على الدعم الكافي من الدول الأعضاء، رغم ما تمتلكه القاهرة من ثقل إقليمي في مجال الغاز. وقد وصفت بعض التحليلات النتيجة بأنها فشل دبلوماسي ناجم عن غياب حملة دعم منسقة وضعف في التنسيق بين وزارتي البترول والخارجية لإدارة الملف.
في المقابل، أطلقت نيجيريا حملة دبلوماسية قوية لتحشيد الأصوات، وهو ما ساعد مرشحها على الفوز. الجدير بالذكر أن البيانات الرسمية المصرية لم تؤكد أو تنفِ رسميًا اسم المرشح أو تفاصيل التصويت، مما يعكس محدودية الشفافية في إدارة الترشيحات القيادية الدولية ويُبرز أحد جوانب القصور في توظيف الحضور الدبلوماسي لخدمة المصالح الاستراتيجية طويلة المدى.
الوضع لا يختلف كثيرًا في مؤسسات أخرى مثل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) ومنتدى غاز شرق المتوسط (EMGF). فعلى الرغم من أن مصر من الدول المؤسسة للمنتدى الأخير وتستضيف مقره في القاهرة، فإن المناصب التنفيذية العليا لم تذهب لممثلين مصريين في الدورات الأخيرة، واقتصر الدور المصري غالبًا على الرئاسة الدورية أو الاستضافة التنظيمية. أما في المنتديات الإفريقية للطاقة، فما زالت المشاركة المصرية محدودة نسبيًا سواء في الكوادر الفنية أو المبادرات الخاصة بالتمويل والتحول الطاقي.
إن غياب التمثيل القيادي ينعكس على قدرة مصر في التأثير على ملفات حساسة مثل تسعير الغاز، واتجاهات التحول الطاقي، وآليات التمويل الدولي. فالدول التي تشغل مناصب عليا كالأمين العام أو رئيس المجلس التنفيذي تستطيع أن تدفع بأولوياتها ضمن جدول أعمال المنتدى، بينما يظل الدور المصري أقرب إلى المشاركة الرمزية أو البروتوكولية.
في المقابل، حققت مصر إنجازًا تاريخيًا على الساحة الدولية بعد انتخابها لتولي رئاسة الاتحاد الدولي للغاز (IGU) للفترة 2028–2031، عقب فوزها بمنصب نائب الرئيس للفترة 2025–2028. ويُعد هذا الحدث الأول من نوعه في تاريخ الاتحاد منذ تأسيسه عام 1931، إذ لم يسبق أن تولت دولة عربية أو أفريقية هذا المنصب.
ويُعد هذا النجاح نموذجًا لما يمكن أن تحققه مصر حين توظّف أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية بفعالية، ويُظهر أن التمثيل الدولي لا يرتبط فقط بعضوية المنظمات، بل بالقدرة على المبادرة والتحالف والتأثير داخلها.
إن تحقيق التوازن بين النجاحات والإخفاقات في تمثيل مصر الدولي يتطلب تبنّي سياسة دبلوماسية طاقية مؤسسية تقوم على إعداد كوادر مؤهلة للمناصب الدولية، وبناء تحالفات تصويتية قبل الانتخابات داخل المنظمات، وتنسيق العمل بين وزارات البترول والخارجية والكهرباء، مع قدر أكبر من الشفافية في إدارة الترشيحات. فكما أظهر نجاح مصر في الاتحاد الدولي للغاز، فإن الإعداد الجيد والدعم المؤسسي يمكن أن يحوّلا الطموح إلى نفوذ حقيقي في مؤسسات الطاقة العالمية.