الإثنين 29 ديسمبر 2025

سوق العقار المصري بين طموح الدولة وغياب الرقابة..قصة التحول من مستثمر إلى مدافع عن الحقوق

باور بريس

كشف أسامة سماحة مؤلف  كتاب 

“في انتظار مصر” انه يعمل في السوق العقاري منذ سنوات، لكن تجربتي الحقيقية مع هذا القطاع لم تكن مجرد تجربة استثمار، بل تحوّلت مع الوقت إلى اختبار عميق لمنظومة كاملة، من التشريع إلى الإعلام، ومن حماية المستثمر إلى مفهوم الدولة الحديثة.

واضاف البداية كانت قبل دخولي السوق رسميًا.
في مارس 2015 حضرت مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في شرم الشيخ، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقتها لم يكن الحديث عن العاصمة الإدارية الجديدة مجرد مشروع عقاري، بل رؤية لدولة تحاول أن تعيد صياغة نفسها اقتصاديًا وعمرانيًا.
كنت أعيش آنذاك في مدينتي، وأرى المنطقة التي ستُقام عليها العاصمة وهي صحراء خالصة، ثم شاهدت دخول البنية التحتية، والتخطيط، وشركات الكهرباء والطرق، فكان المشهد مختلفًا عن أي دعاية.

من هنا بدأ الإيمان بالمشروع.

لاحقًا، ومع انتقالي للإقامة في باريس، تحوّل هذا الإيمان إلى فعل.
قمت بشراء وحدتين تجاريتين بنفسي داخل مشروع بالعاصمة الإدارية الجديدة، ثم اشترى شقيقي وشقيقتي، وبعد ذلك امتد الأمر إلى العائلة والأصدقاء والمعارف، الذين اشتروا من خلالي وبناءً على ثقتهم فيّ وفي ما كنت أنقله لهم عن المشروع.

في عام 2019 شاركت في تنظيم معرض عقاري في باريس للترويج للعاصمة الإدارية الجديدة، وحضر المعرض وفد رسمي من شركة العاصمة الإدارية الجديدة، ضم المتحدث الرسمي ومدير الشركة والمدير الفني، في إطار تصدير المشروع للمصريين بالخارج.

بحسب العقود، كان من المفترض بدء التسليم في 2021.
لكن مع اقتراب الموعد، بدأت المؤشرات المقلقة في الظهور:
بطء شديد في التنفيذ، تغيّر مستمر في الموظفين، صعوبة في التواصل، مقابل استمرار تحصيل الأقساط.

وبما أن الاستثمار كان تجاريًا وليس سكنيًا، فإن التأخير لم يكن مجرد انتظار، بل خسارة أعمال، وتعطيل رأس مال، وضياع فرص.
الأثر لم يكن فرديًا، بل امتد إلى العائلة والأصدقاء وكل من اشترى من خلالي، وهو ما وضعني أمام مسؤولية إنسانية واقتصادية ثقيلة.

قبل أي ظهور إعلامي، التزمت بالمسار المؤسسي الكامل.
تواصلت مع الشركة أكثر من مرة.
قدّمت شكوى إلى رئاسة مجلس الوزراء دون رد.
ثم شكوى مباشرة إلى رئيس الجمهورية، ثم بلاغًا إلى النائب العام.
وأرسلت مكاتبات رسمية مسجلة من فرنسا إلى وزارة العدل، ومكتب النائب العام، وهيئة الرقابة الإدارية، وشركة العاصمة الإدارية الجديدة.

لكن مع غياب أي تفاعل حقيقي، لجأت في مرحلة لاحقة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ليس بدافع التصعيد، بل لإيصال الصوت.

ما حدث بعد ذلك كان صادمًا.

تلقيت آلاف الرسائل من مواطنين ومتضررين من السوق العقاري في مصر.
رسائل من مستثمرين، وأسر، وشباب، وكبار سن.
رجل اشترى وحدة منذ عقود ولم يستلم حتى أصبح في أواخر السبعينات.
وسيدة وضعت مدخرات عمرها في شقة، وتقول لي في رسالة صوتية:
“نفسي أستلمها قبل ما أموت”.

تفرغت لهذا الملف بالكامل.
عملت عليه ليلًا ونهارًا.
تأثرت نفسيًا بشدة، لكن هذا الألم تحوّل مع الوقت إلى وعي.

بدأت أبحث:
لماذا تتكرر نفس المأساة؟
ولماذا يعجز القضاء عن حسم هذه القضايا؟

التواصل مع قضاة ورؤساء محاكم كشف حقيقة خطيرة:
القاضي لا يملك نصًا تشريعيًا متخصصًا يحمي المستهلك العقاري ويعيد له حقه بوضوح.

وهنا تبيّن أن المشكلة ليست في الأفراد، بل في غياب هيئة تنظيم السوق العقاري المصري، وغياب تشريع حديث يحكم هذا القطاع الضخم.

هذا الإدراك كان أحد الدوافع الأساسية لكتابة كتابي «في انتظار مصر»، الذي تناولت فيه أزمات هيكلية تعاني منها الدولة، ومن بينها فصل كامل عن هيئة تنظيم سوق العقار المصري، باعتبارها ضرورة اقتصادية وتشريعية، لا ترفًا سياسيًا.

دول كثيرة نجحت في ضبط أسواقها العقارية عبر هيئات تنظيم مستقلة، خصوصًا في دول الخليج، حيث عشت وتعلمت معنى حماية المستثمر، والشفافية، وربط العقار بالاقتصاد الحقيقي.

اليوم، ومع تزايد الحديث عن مشاكل عقارية في مصر، وظهور شكاوى متكررة ضد شركات عقارية سيئة السمعة، يصبح السؤال ملحًا:
كيف نبني دولة حديثة دون تشريعات حديثة؟
وكيف نحمي حلمًا وطنيًا كبيرًا دون إطار قانوني يحمي المواطن قبل المشروع؟

هذه ليست تجربة شخصية فقط،
وليست معركة فرد.

هذه قضية دولة،
واختبار حقيقي لجدية بناء سوق منضبط، واقتصاد مستدام، وثقة لا تُشترى بالدعاية، بل تُبنى بالقانون