الخميس 08 مايو 2025

السفير مصطفي الشربيني يكتب : عندما يصبح الهواء ذهبًا... خلايا الوقود الهيدروجينية في الجمهورية الجديدة

السفير مصطفي الشربيني
السفير مصطفي الشربيني

 

في زمن تتسارع فيه الابتكارات وتتصاعد فيه التحديات البيئية تظهر أمامنا تقنيات مذهلة تنقل البشرية من عصر الوقود الأحفوري الملوث إلى عالم أنظف وأكثر استدامة ومن بين هذه الابتكارات تبرز خلايا الوقود الهيدروجينية كتكنولوجيا مذهلة لا تعرف الحدود تجمع بين النظافة والكفاءة والابتكار لتنتج الطاقة من تفاعل الهيدروجين مع الأكسجين الموجود في الهواء فتصنع الكهرباء والماء بلا دخان بلا ثاني أكسيد كربون وبلا نفايات سامة وفي ظل فكر وإبداعات السفير  مصطفى الشربيني رائد الاستدامة وخفض البصمة الكربونية وصانع مسار البصمة الخضراء في الجمهورية الجديدة تتجلى ملامح التحول العميق نحو مستقبل أخضر يقوده العلم والتكنولوجيا ويستلهم رؤية وطنية طموحة تجعل من مصر قلب التحول العالمي في مجال الطاقة النظيفة فحين يتحول الهواء إلى وقود والماء إلى ناتج من نفايات الطاقة تصبح المعادلة البيئية متكاملة ويصبح الابتكار طريقًا للنهضة المصرية الحديثة

خلايا الوقود الهيدروجينية ليست مجرد حلم علمي بل حقيقة تمشي على الأرض لقد تم استخدامها بالفعل في سيارات وشاحنات وحافلات وحتى طائرات وتجارب لإمداد المدن والمنازل بالكهرباء الصديقة للبيئة وهي تعمل من خلال تفاعل كهروكيميائي بسيط ومذهل في آن واحد حيث يتم تمرير الهيدروجين إلى قطب الأنود فيتم فصل الإلكترونات عن البروتونات وتنتقل الإلكترونات عبر دائرة كهربائية مولدة للطاقة بينما تمر البروتونات عبر غشاء خاص إلى القطب الآخر الكاثود حيث تتحد مع الأكسجين القادم من الهواء لتنتج الماء والكهرباء في مشهد بديع تذوب فيه الكيمياء في خدمة البيئة والطاقة النظيفة

الأهم من كونها تنتج الطاقة هو أنها لا تنتج شيئًا آخر سوى الماء وهذا يجعلها تكنولوجيا مثالية في مواجهة تغير المناخ إذ أنها لا تطلق ثاني أكسيد الكربون ولا أكاسيد النيتروجين ولا الجزيئات الدقيقة التي تخنق صدور المدن ولا شيء من النفايات الخطرة أو الإشعاعات كما هو الحال مع أنواع طاقة أخرى إن خلايا الوقود الهيدروجينية تنسجم تمامًا مع أهداف الحياد الكربوني التي تسعى إليها الأمم المتحدة وتلتزم بها معظم الدول المتقدمة ولذلك فإن اعتمادها في قطاع النقل والبنية التحتية للطاقة سيكون بمثابة ثورة بيئية حقيقية

مصر بموقعها الجغرافي ومصادرها المتجددة وقدراتها البحثية وتموضعها الاستراتيجي بين قارات العالم تملك الفرصة الذهبية لتكون مركزًا إقليميًا ودوليًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتشغيل خلايا الوقود الهيدروجينية خاصة مع التوجه الواضح نحو تعميم السيارات الكهربائية في المدن الكبرى والمناطق الصناعية والمجتمعات الجديدة التي تنشئها الدولة إن دمج هذه الخلايا في شبكة النقل الذكي ومشاريع المدن الخضراء مثل العاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة سيضع مصر في مقدمة الدول المصدرة للتكنولوجيا النظيفة والمنتجات الخضراء

ليس هذا فقط بل إن خلايا الوقود الهيدروجينية تنتج الماء النقي أثناء تشغيلها وهذه الميزة الفريدة يمكن أن تكون ثروة حقيقية في بلد مثل مصر يعاني من ندرة المياه وزيادة الضغط السكاني على الموارد المائية فكل مركبة تعمل بهذه الخلايا ستنتج أثناء سيرها كميات من المياه الصالحة للشرب يمكن تجميعها وإعادة استخدامها في بيئات مغلقة أو في المركبات العسكرية والطبية أو في المناطق النائية مما يمثل تكاملًا رائعًا بين أمن الطاقة وأمن المياه

من الناحية الاقتصادية فإن الاستثمار في هذه التكنولوجيا سيخلق فرص عمل جديدة في مجالات الهندسة والبحث والتطوير والبنية التحتية والنقل الذكي كما أنه سيعزز الصادرات المصرية في مجال السيارات والمعدات الخضراء خاصة في ظل التوجه الأوروبي والأفريقي والعالمي نحو المنتجات منخفضة الانبعاثات واشتراطات الكربون الحدودي التي تفرضها الأسواق الكبرى على وارداتها من المنتجات الصناعية والزراعية إن التحول إلى خلايا الوقود الهيدروجينية يمثل فرصة عظيمة لتقليل البصمة الكربونية للصادرات المصرية وزيادة تنافسيتها عالميًا

من الضروري أن تتبنى الحكومة والقطاع الخاص والجامعات ومراكز البحوث في مصر رؤية موحدة لتطوير هذه التكنولوجيا وتوطينها عبر دعم البحث العلمي وتحفيز الشركات الناشئة وتوفير حوافز مالية وضريبية لتصنيع المكونات محليًا وإنشاء بنية تحتية لتوزيع الهيدروجين الأخضر وإنشاء محطات شحن متنقلة وثابتة لتغذية المركبات والشاحنات والحافلات والطائرات العاملة بخلايا الوقود هذه المشاريع تحتاج إلى تعاون عابر للقطاعات وإرادة سياسية واضحة لتتحول من حلم إلى حقيقة اقتصادية وبيئية مستدامة

خلايا الوقود الهيدروجينية أيضًا يمكن أن تكون جزءًا من منظومة المدن الذكية حيث يتم ربطها بأنظمة الطاقة الشمسية وتخزين الطاقة لتوفير إمداد كهربائي مستقر ونظيف طوال الوقت يمكن استخدامها في إنارة الشوارع وتشغيل إشارات المرور وتغذية مباني الحكومة والمدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة ومرافق الطوارئ بالطاقة الخضراء في حالات الانقطاع أو الكوارث الطبيعية كما يمكن استخدامها في المناطق الحدودية والمناطق العسكرية لتأمين الطاقة والماء دون الحاجة إلى نقل الوقود أو المياه لمسافات طويلة ما يعني أمانًا واستقلالًا استراتيجيًا

وفي مجال النقل فإن خلايا الوقود الهيدروجينية يمكن أن تحدث نقلة نوعية حقيقية حيث تتفوق على البطاريات التقليدية من حيث سرعة الشحن والمدى الطويل وانخفاض الوزن ما يجعلها مثالية للشاحنات الطويلة والحافلات العامة وسيارات الأجرة والمركبات التجارية التي تعمل على مدار الساعة إن اعتماد مصر لهذه التكنولوجيا سيقلل من استهلاك الوقود الأحفوري في قطاع النقل الذي يعد من أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية ويحول الطرق والمدن المصرية إلى بيئات أكثر نقاءً وصحة للإنسان والحيوان والنبات

وفي ضوء تغير المناخ واشتداد ظواهره المتطرفة من موجات حرارة وفيضانات وجفاف وحرائق غابات فإن تبني مصر لتكنولوجيا خلايا الوقود الهيدروجينية هو خطوة استراتيجية ذكية لمواجهة هذه التحديات داخليًا وتقديم نموذج تنموي مستدام للعالم خاصة أن مصر استضافت قمة المناخ COP27 وتسعى للعب دور إقليمي في تنفيذ اتفاق باريس وتعهدات المناخ إن هذه الخلايا تُمثل الحلقة المفقودة بين التزامات المناخ وواقع التنمية والابتكار في بلد يملك كل المقومات ليقود قاطرة الطاقة النظيفة في أفريقيا والعالم العربي

إن خلايا الوقود الهيدروجينية ليست مجرد تقنية جديدة بل هي مفتاح لعصر جديد من الطاقة النظيفة والمياه النقية والمدن الذكية والاقتصاد الأخضر وعلى مصر أن تحتضن هذا المفتاح وتفتح به أبواب المستقبل المزدهر فهي بذلك لا تحمي البيئة فقط بل تعزز أمنها القومي وتدعم اقتصادها وترتقي بمستوى حياة شعبها إن من يتأخر في تبني هذه التقنية سيجد نفسه خارج أسواق الغد وخارج معادلة الاستدامة أما من يبادر الآن فسيحصد الفوائد لعقود قادمة ولذا فإن خلايا الوقود الهيدروجينية من الهواء ليست فقط أملًا علميًا بل ضرورة وطنية واستراتيجية لمصر المستقبل