السبت 12 يوليو 2025

السفير مصطفي الشربيني يكتب : تقنية البلوك تشين المفتاح الذهبي لتطوير أسواق الكربون الطوعية

السفير مصطفي الشربيني
السفير مصطفي الشربيني

 

في عصرٍ يتسارع فيه السباق العالمي نحو الحياد الكربوني، تتكشف تحديات جذرية تهدد مصداقية وجدارة الأدوات المناخية السائدة، وعلى رأسها سوق الكربون الطوعي (VCM) ، فما يزال هذا السوق، الذي يُفترض أن يكون منصة داعمة للتحول الأخضر، يعاني من أزمة ثقة حادة نتيجة افتقاره إلى الشفافية والمعايير الموحدة. في هذا السياق، يطرح السفير مصطفى الشربيني رؤية مستقبلية طموحة، تقوم على توظيف تقنية البلوك تشين لإعادة بناء الثقة، وتحفيز التمويل المناخي، وتطوير سوق الكربون في مصر على أسس من النزاهة الرقمية والتوثيق الذكي.

في هذا المقال، نستعرض في عشرة نقاط مترابطة كيف يمكن للبلوك تشين أن يُعيد تشكيل بيئة سوق الكربون الطوعي عالميًا، ويكون في ذات الوقت منصة سيادية مقترحة لمصر ضمن استراتيجية وطنية للحوكمة المناخية.

أزمة الثقة في سوق الكربون الطوعي
يعاني سوق الكربون الطوعي من اختلالات هيكلية في الشفافية والجودة، في غياب معيار موحد للجودة وآليات دقيقة للرصد والإبلاغ والتحقق (MRV)، أصبحت أرصدة الكربون محل جدل واسع ، تتنوع آليات التصديق، وتكثر المشاريع غير المؤكدة الأثر، مما يجعل المشترين في حيرة من أمرهم، ويشكك في مصداقية ادعاءات تقليل الانبعاثات، لا يمكن أن نواصل الاعتماد على سوق غير قادر على ضمان الثقة.

ما الذي يمكن أن تضيفه البلوك تشين؟
تقنية البلوك تشين، بفضل بنيتها اللامركزية وغير القابلة للتلاعب، تمثل نقلة نوعية في التوثيق المناخي. يمكنها توثيق كل عملية مرتبطة برصيد كربوني: من النشأة والتسجيل، إلى المراجعة والبيع، وحتى الاستخدام النهائي. كل ذلك يتم عبر سجل شفاف ومفتوح يُمكن لكل الأطراف التحقق منه في الوقت الحقيقي. هذا التغيير من شأنه أن يحوّل السوق من بيئة ضبابية إلى منظومة محكومة بالدقة والشفافية.

تجاوز مرحلة العملات المشفرة
رغم ارتباط البلوك تشين في الأذهان بالعملات الرقمية، فإن إمكاناتها تتجاوز ذلك بكثير. لقد بدأت بالفعل مبادرات رائدة في مجال "الكربون على البلوك تشين" تعيد تعريف السوق، وتقدم نماذج لمشاريع تعتمد على تتبع الأثر المناخي عبر العقود الذكية، وتوفر مساحات لتداول أرصدة الكربون بشكل مباشر، بلا وسطاء وبأقل التكاليف.

كيف تطبق مصر ذلك؟
في مقترحه، يدعو السفير مصطفى الشربيني إلى إنشاء منصة وطنية ذكية تعتمد على تقنية البلوك تشين، تكون بمثابة سوق طوعي للكربون يخدم أهداف مصر المناخية، هذه المنصة تتيح توثيق وتسجيل أرصدة الكربون الناتجة عن مشاريع مصرية، خاصة في مجالات الزراعة، الطاقة المتجددة، وإدارة النفايات. عبر هذه المنصة، يمكن لمصر تصدير أرصدة كربون موثوقة للأسواق العالمية، وتحقيق دخل سيادي من الاقتصاد الأخضر.

فوائد المقترح المصري
يمثل هذا المقترح نقلة استراتيجية في التعامل مع سوق الكربون، من حيث:

بناء الثقة عبر التوثيق اللامركزي.

جذب استثمارات أجنبية في مشاريع مستدامة.

تمكين المجتمعات المحلية من الاستفادة من مشاريعهم المناخية.

دمج الشركات الصغيرة والمتوسطة في سوق الكربون.

دعم أهداف مصر الوطنية للحد من الانبعاثات.

دروس من التجارب الدولية
تشير التجارب من دول مثل سنغافورة وكينيا والبرازيل إلى إمكانية دمج البلوك تشين في الأسواق المناخية بنجاح، هذه الدول طورت منصات توثيق أرصدة الكربون، واعتمدت على العقود الذكية لضمان عدم الازدواجية أو التزوير، مصر يمكنها الاستفادة من هذه النماذج، ولكن بخصوصية محلية تتناسب مع واقعها الاقتصادي والبيئي.

التحديات المتوقعة:
لن يخلو الأمر من تحديات ، منها:

الحاجة إلى بنية رقمية قوية.

تدريب الكوادر الوطنية.

ضمان التنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص.

تجاوز البيروقراطية.

مقاومة بعض الجهات التي قد تخشى الشفافية.
لكن كل هذه التحديات قابلة للحل بإرادة سياسية واضحة، وإطار تشريعي داعم.

الحوكمة الرقمية والمساءلة
إحدى أبرز مزايا البلوك تشين أنها تجعل من التزوير شبه مستحيل، وتضمن المساءلة. فكل رصيد كربوني سيكون له هوية رقمية، وكل عملية شراء أو بيع موثقة زمنيًا. وهذا يقلل من الغش، ويزيد من كفاءة السوق، ويجعل التقارير المناخية أكثر موثوقية.

تحفيز التمويل المناخي
المستثمرون الدوليون يبحثون عن منصات موثوقة للاستثمار في الكربون. عندما تقدم مصر سوقًا قائمًا على التوثيق الذكي، فإنها لن تجذب التمويل فقط، بل ستقود المنطقة في ممارسات الحوكمة المناخية، هذه المنصة يمكن ربطها بالمؤسسات المالية الدولية والبنوك الخضراء، مما يفتح أبواب التمويل لمشاريع صغيرة وكبيرة.

الطموح
إذا استطاعت مصر أن تطبق هذا المقترح، فإنها لن تكون فقط لاعبًا في سوق الكربون، بل صانعًا لقواعده الجديدة، البلوك تشين ليست مجرد تقنية، بل هي منظومة قيم تقوم على الشفافية والثقة والتتبع. وحين تُطبق هذه القيم في سوق الكربون، يتحول من أداة مشكوك فيها إلى آلية قوية لمحاربة تغير المناخ.

إن رؤية السفير مصطفى الشربيني تمثل نداءً إلى صناع القرار في مصر: آن الأوان لننتقل من مرحلة الأقوال إلى الأفعال، ومن الغموض إلى الشفافية، ومن التبعيات إلى الريادة.