الأحد 15 يونيو 2025

كن غريباً - بقلم عبدالفتاح موسى

باور بريس


في أحد الأيام، في غابة تملؤها الثعالب، كان الصيادون يأتون من كل مكان لينصبوا الفخاخ لاصطيادها. 
وذات مرة كان أحد الثعالب يتجول في الغابة،  علق ذيله في المصيدة فسقط بها . فوجد نفسه في مأزق، ولم يكن أمامه سبيل للنجاة سوى أن يقطع ذيله بنفسه لينجو بحياته، وإلا فقدها.

وبالفعل قطع الثعلب ذيله، ونجا. 
وبعد أن شُفي جرحه، عاد للتجول في الغابة، ولكن هذه المرة بدون ذيل.

قابله أحد الثعالب وسأله متعجبًا: “ماذا فعلت بذيلك؟”

أجابه الثعلب: “أشعر الآن بالخفة والرشاقة، لم أكن أعلم كم كان هذا الذيل عائقًا بيني وبين السعادة! أنصحك أن تفعل مثلي وتقطعه.”

اقتنع الثعلب الآخر بكلامه، وقطع ذيله أيضًا. لكنه ما إن فعل، حتى شعر بألم شديد، وندم على قراره.

عاد ليسأل الثعلب الأول: “لماذا خدعتني؟ لقد جعلتني أتألم بلا داعٍ!”

فأجابه: “ليس المهم الآن، المهم أن نقنع باقي الثعالب أن يقطعوا ذيولهم مثلنا.”

وبالفعل شيئًا ….فشيئًا، أصبحت معظم الثعالب بلا ذيول. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل باتوا يسخرون من أي ثعلب احتفظ بذيله، وينظرون إليه وكأنه هو الغريب، بل والمنبوذ!

هكذا هي الدنيا في زمنا…

أصبح من يتمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق هو الغريب، يُنظر إليه بأستنكار، وكأنه عدو للتطور والتقدم. صار المتشبث بتعاليم دينه يُتهم بالرجعية والجهل، حتى لو كان “التحضر” الذي يُنادون به لا يتفق مع أخلاقنا، ولا مع عاداتنا وقيمنا.

كما قال رسول الله ﷺ:
“يأتي على الناس زمان، يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر.”
  صدقت يا رسول الله

فلننظر حولنا اليوم… 
كم من “ذيول” قُطعت باسم الحرية الزائفة؟ 
كم من قِيَم ذُبحت على مذابح الحداثة؟وكم من مبادئ خُنقت تحت رايات التقدُّم المزعوم؟

لم نعد نُدهش حين يُستهزأ بمن يغضّ بصره، أو يُسخر ممن يتورع عن الحرام، أو يُتَّهم بالجمود من يُقيم صلاته ويصون لسانه. 
أصبح الثبات تهمة، والنقاء سذاجة، والصدق ضعفًا!

وكما قال النبي الكريم ﷺ:
“بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء.”

فكن غريبًا…