حكاية أثر | عمود نصر مرنبتاح… شاهدٌ من الجرانيت على انتصارٍ هزَّ دلتا مصر

في قلب البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير (GEM)، ينتصب عمود نصر مرنبتاح كحارسٍ من زمن الرعامسة؛ كتلةٌ من الجرانيت الوردي محفورة بالألقاب والنقوش، تُخلِّد انتصارات ابن رمسيس الثاني على قبائل ليبيا وحلفائها، وتستقبل الزائرين إلى جوار تمثال الأب الأسطوري. مشهدٌ يُلخّص قوة الدولة في أواخر الدولة الحديثة، ويحوّل المدخل إلى سردية حجر.
الموقع: البهو العظيم (الأتريوم) في المتحف المصري الكبير، خلف تمثال رمسيس الثاني.
المادة: جرانيت وردي، على قاعدة من الحجر الجيري.
الأبعاد والوزن: ارتفاع نحو 5.60 م، وزن يناهز 17 طنًّا.
اكتشافه: داخل معبد مرنبتاح بمنطقة المطرية (هليوبوليس/مدينة أون) عام 1970.
رحلة النقل: من الموقع الأثري إلى قلعة صلاح الدين عام 2006 لأعمال الترميم، ثم إلى المتحف المصري الكبير في مارس 2018؛ وتثبيته في البهو العظيم تم في مايو 2019.
رقم العرض بالمتحف: GEM 22711.
لماذا يُسمّى «عمود النصر»؟
النقوش التي تكسو العمود تسجل انتصارات مرنبتاح في سنته الخامسة، وعلى رأسها دحر القبائل الليبية في الدلتا، مع إشارات زمنية لسياق «شعوب البحر» في تلك المرحلة المضطربة من أواخر القرن 13 ق.م. هذه الدلالات وثّقتها نصوص العمود وشروح باحثين زاروا القاعة ووثقوا القطعة بعد عرضها.
دلالات فنية وتاريخية
يظهر على العمود ألقاب الملك داخل الخرطوش، ومشاهد تقديم القرابين لآلهة الحرب والحماية—وتستشهد بعض القراءات بقول منسوب للإلهة «عنات» في سياق التحريض على قمع المتمردين، وهو ما ينسجم مع خطاب القوة الملكية في عصر الرعامسة. هذه اللغة البصرية تُحَوِّل العمود من عنصر معماري إلى «وثيقة دعاية» حجرية لمُلكٍ يحرس الحدود الغربية
من المطرية إلى «المدخل الكبير»
قصة العمود تعكس مسارًا حديثًا لإحياء الأثر: اكتُشف عام 1970 في مطرية القاهرة (هليوبوليس)، نُقل للقلعة للترميم، ثم استقر في GEM. اليوم يقف في الأتريوم إلى جوار تمثال رمسيس الثاني وتماثيل بطلمية، ليشكّل مع «السلم العظيم» خلفه مشهدًا افتتاحيًا يربط الزائر مباشرة بعمق الدولة المصرية.
لا تخلِط بين عمود مرنبتاح المعروض في المتحف المصري الكبير، ولوحة مرنبتاح (المعروفة إعلاميًّا بـ«لوحة إسرائيل»)؛ فالأخيرة معروضة بالمتحف المصري بالتحرير وتحمل رقم JE 31408. هما قطعتان مختلفتان تمامًا في الشكل والوظيفة والسياق
عمود نصر مرنبتاح ليس مجرد كتلة حجرية ضخمة؛ إنه «نص» سياسي منقوش يروي كيف تصوغ السلطة صورتها في زمن الخطر. أن يصل إلينا بعد ثلاثة آلاف عام، وأن يستقبلنا اليوم في البهو العظيم للمتحف المصري الكبير، فذلك بحد ذاته انتصارٌ جديد… انتصار لذاكرةٍ تعرف كيف تحمي حجارتها وتُعيد سردها للأجيال.