الخميس 18 ديسمبر 2025

دكتور عبد الله العوضي يكتب:" ترامب " المئوية الرابعة .. أين الوقع و الواقع ؟!

باور بريس

 

لا خلاف حتى الساعة، بأن " طوفان الأقصى " في السابع من شهر أكتوبر 2023 ، سوف تلاحق ترامب حتى انتهاء الفترة الرئاسية الثانية، بعد أن صرح بأنه لن يترشح لفترة ثالثة، و قد يغير رأيه فهو لا زال في بحبوحة الفترة الثانية كما هو طبعه ؟! 
ترامب يقول  : إن القانون الأميركي يمنعه من الترشح لولاية ثالثة، مما يشير إلى أنه لا ينوي الطعن في القيود القانونية على مدة الرئاسة .(  رويترز - 29 / 10 / 2025 ) 
أما فيما يختص أثر " الطوفان "

" تاكر كارلسون " ؟!

هذا ما يؤكد عليه الرأي العام الأميركي من الداخل، و نقتبسه من المذيع الأميركي الأشهر و الأكثر تأثيرا " تاكر كارلسون "
الرجل الذي طالما كان من أكبر داعمي الكيان الصهيونى ، ينقلب اليوم عليه بجرأة لم يسبق لها مثيل!
على الهواء مباشرة، قالها بلا مواربة: " لا يوجد شيء اسمه شعب الله المخــتار … الله لا يختار شعبًا يقتـل الأطفال هذه هرطقة، وهؤلاء مجرمـون ولصـــوص."
هذه ليست مجرد كلمات… بل صفعة مدوية من قلب الإعلام الأميركي نفسه .
وأضاف " تاكر " مستعرضًا الغضــــب الشعبي الأمريكي: "350 مليون أميركي ينامون جوعى، ونحن نرسل 26 مليار دولار لدولة لا نعرف اسم عاصمتها."
هذا التصريح وحده حصد 48 مليون مشاهدة خلال 9 ساعات، وأظهر استطلاع CNN أن 62٪ من الأميركيين يوافقونه، مؤكدًا حجم الإنقسام بين السياسة الخارجية والأولويات الداخلية.
ولم يتوقف عند النقد العام، بل وجه رسالة مباشرة لترامب: " أحب ترامب ودعمته في حملته الانتخابية، ولكني مستاء جدًا من تركيز طاقتنا ووقتنا وأموالنا على إسرائيل .. هذه خيانة مطلقة لوعوده."
النتيجة واضحة: الإنقسام العميق في الرأي العام الأميركي حول دعم الكيان المحتل ، وانتقاد حتى حلفائها التقليديين .

التطرف.. يمنة و يسرة ؟!

هذا الهاجس الأمني في الداخل الأميركي، هو الذي سوف يوجه بوصلة التعامل مع قضية شائكة لم ترد على أميركا منذ التأسيس، رغم اندلاع حروب أهلية بين البيض و السود و الهنود الحمر ، إلا أن هذا الأمر الطارئ و المتجدد ، لا يقارن بكل ما مضى ، و خاصة و أن مفاصل النسيج الإجتماعي في الدولة العميقة على المحك ؟!
و من ذلك دعوات "يسارية متطرفة" لحصار "الكابيتول" الأميركي ، انعكاسًا لرغبة جماعات اليسار المتطرف بتصعيد أنشطتها ضد الحكومة  الأميركية أصدرت منظمة "رفض الفاشية" التابعة للحزب الشيوعي الثوري (30 أكتوبر2025 ) دعوة لأنصار اليسار المتطرف بمختلف أنحاء البلاد للتوجه إلى العاصمة "واشنطن" بتاريخ 5 نوفمبر المقبل، وتنظيم حصار يستهدف مبنى الكابيتول، والمحكمة العليا؛ وذلك "لإسقاط نظام ترامب الفاشي".

" شرعية.. النضال "

رغم تأكيد الدعوة على "سلمية" الاحتجاجات، تُبطن مضامينها تحريض لتصعيد الأنشطة العنيفة ضد الحكومة الفيدرالية، ومن بينها:  تأكيدها على انتشار القوات الأمنية الفيدرالية بصورة غير شرعية في مختلف الولايات، وتمزيق "نظام ترامب الفاشي" بذلك لسيادة القانون؛ ما يُعزِّز فكرة "شرعية النضال" لدى أنصارها.
استحضار أحداث "الكابيتول" (6 يناير 2021)، التي شن خلالها اليمين المتطرف هجمات "عنيفة" بمبنى الكابيتول، ما يعكس استعدادهم لمواجهة العنف بالعنف.
مع استمرار الملاحقات الأمنية ضد شبكة "أنتيفا" وأنصارها بالداخل الأميركي  ، وبدء عمليات محاكمة كوادرها بتهم فيدرالية ، يُتوقَّع مباشرة السلطات  الأميركية حملات موسعة لتقييد انتقال المشاركين المحتملين بالتظاهرات إلى العاصمة بصورة استباقية.(  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 30 / 10 / 2025 )
لم نسمع مصطلحات ( النضال و إسقاط النظام ، و العنف المضاد ، و الهجوم على المؤسسات السياسية و الأمنية ) إلا في مجتمعات العالم الثالث، أما نرى حراكها العملي في الساحات الأميركية، فهذا اختلاط في العوالم لم نعهده من قبل .
و هذا دليل واضح على ضرورة تعاون العوالم الثلاثة لدرء شر رياح التطرف العاتية أياً كانت مصادرها في الجهات الأربع 
و يتضح ذلك أيضا من وصول تلك الرياح الأميركية إلى قلب أوروبا في ألمانيا.

" أنتيفا “  .. في " هامبورج "

أبعاد تبني "أنتيفا" مسؤولية هجوم بـ"هامبورغ"
انعكاسًا لانخراط شبكة "أنتيفا" الدولية في تفاعلات مناهضة لتصنيفها تنظيمًا إرهابيًا بالولايات المتحدة، تبنت مجموعة متطرفة تابعة لـ"أنتيفا" (3 نوفمبر 2025 ) مسؤولية استهداف مركبة مدير الكتلة البرلمانية لـ"حزب البديل" بعبوات حارقة في ولاية هامبورغ؛ نصرة لعناصرها المعتقلة بالسجون الألمانية.
يُعزِّز هذا التطور المخاوف الغربية من خطر روابط شبكات "أنتيفا" على بلدانها، بالنظر لمضامين بيان المجموعة الذي أكد: ضرورة تنظيم صفوفها "بقوة ضد الفاشية"، وممارسة ما تتهم به "أنتيفا" -الإرهاب-، وخاصة مع تزايد "عمليات التضييق العسكري في أوروبا، وألمانيا،  و أميركا ضد اللاجئين"، وعمليات "ترامب" القمعية.
تصعيد أعمال العنف ضد اليمين المتطرف، حيث ذكر البيان أن كل من يؤيد شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA) سيلحق "تشارلي كيرك" إلى الجحيم.
يُعزِّز موقف المجموعة اليسارية المتطرفة في ألمانيا، فرص اتجاه الحكومات الغربية لمعالجة خطر جماعات اليسار المتطرف عبر استحداث تشريعات لمكافحته، مع احتمالية اتجاه الولايات المتحدة لتوسيع تصنيفها "أنتيفا" كتنظيم إرهابي أجنبي . (  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 4 / 11 / 2025 )
و بناء على هذا الحراك السلبي  باتجاه " التطرف و الإرهاب " ، صنفت  أميركا 4 جماعات في ألمانيا وإيطاليا واليونان منظمات إرهابية .  ( إندبندنت عربية -14 / 11 / 2025 )

ضغوط .. مكثفة !

اتجاه لتكثيف الضغوط على الجماعات الإرهابية
فيما يؤشر لتصعيد الإدارة الأميركية ملاحقاتها للكيانات الإرهابية، صرح مدير عمليات فرع الأمن القومي بمكتب التحقيقات الفيدرالي "مايكل جلاشين" (12 ديسمبر 2025 ) أن حركة "أنتيفا" -اليسارية المتطرفة- تعدُّ "أكبر التهديدات الإرهابية على البلاد"، مقارنًا إياها بتنظيمي "القاعدة، وداعش"، خلال جلسة استماع بمجلس النواب.
تطويقًا لخطر الحركات والمجموعات الإرهابية النشطة عبر أراضيها، من المُتوقَّع اتجاه الإدارة الأمريكية نحو التدقيق بالروابط المحتملة بين "الإخوان المسلمين" وحركة "أنتيفا"؛ لتدعيم مسار حظر جماعة "الإخوان" وفروعها، وتوثيق ارتباط اليسار المتطرف بالإرهاب. ( مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 12 / 12 / 2025 )

" الإسلام.. السياسي " !

تتصاعد مراجعات رسمية لملف «الإسلام السياسي» في عدد من الدول الأوروبية، منها: النمسا وفرنسا وألمانيا، مع وضع جمعيات مرتبطة بالإخوان المسلمين تحت رقابة مالية وأمنية مشدّدة دون الوصول إلى حظر قانوني.
في الولايات المتحدة، جدّد مشرّعون جمهوريون جهودهم لتمرير تشريع يصنّف الإخوان «كيانًا إرهابيًا أجنبيًا»، مستندين إلى صلات الجماعة بـ«حماس» وتقديرات أمنية. 
يُتوقع أن يتحول قرار حاكم تكساس إلى معركة قضائية بشأن مدى صلاحيات حكّام الولايات الأميركية في تبنّي توصيفات «الإرهاب». 
يُعدّ تصنيف أي جماعة منظمة إرهابية على المستوى الفيدرالي الأميركي عمليةً معقدة، إذ يتعين على وزارة الخارجية تقديم أدلة 
تثبت استيفاء معايير التهديد للأمن القومي . ( مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 20 / 11 / 2025 )
هناك معضلة عالمية و إشكالية دولية في تعريف مصطلح " الإرهاب " ، و لم يتوصل خبراء الأمن و لا غيرهم من المعنيين بهذا الشأن المحير ، إلى اتفاق ، فما تراه دولة " إرهابا " ، لدى دولة أخرى غير ذلك، بل قد يعدها " عمل صالح " يتحقق من خلاله مصلحة بعض الدول.
و الخلاف الأشد يقع في الممارسة، بين إرهاب الذئب المتفرد ، و إرهاب الدولة عبر قطيعها المنفلت و المرفوع عنه قلم العقاب و دفتر الحساب ؟! 
و بين هذا وذاك، هناك من يرى في جرائم الإرهاب وفقا لما هو منصوص في التشريعات القانونية لكل دولة دون الدخول في مجال استحداث قوانين استثنائية، كما فعلت أميركا لسجناء " غوانتنامو " ، و لم يسد باب هذا الجدل غير البيزنطي، لأن فيها دماء الأبرياء معلقة بيد الساسة وفقا لمصالح دول تتغذى على شماعة الإرهاب لتحقيق مصالحها الضيقة ؟! 
انتقل عدوى حاكم تكساس في شأن " الإخوان " إلى " ترامب " الذي يعتزم إعلان تنظيم "الإخوان" منظمة إرهابية أجنبية . ( موقع " جست ذا نيوز  - 24 / 11 / 2025 ) ، و  لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب  الأميركي أجرت مراجعة إجرائية لمشروع قانون يلزم "ترامب" بتصنيف تنظيم الإخوان كمنظمة إرهابية أجنبية . (  سكاي نيوز عربية - 3 / 12 / 2025 ) 
فيما يُعزِّز أزمة جماعة الإخوان المسلمين بالساحة الأميركية ، أعلن حاكم ولاية فلوريدا "رون ديسانتيس" (8 ديسمبر 2025 ) تصنيف جماعة "الإخوان" ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) منظمات إرهابية أجنبية.
قد تشهد المرحلة المقبلة توسعًا أميركياً في استهداف الكيانات "الإخوانية" قانونيًّا، وخاصةً في الولايات الجنوبية؛ ما قد يؤدي لتآكل بنية الجماعة التنظيمية ويقيد مساحات المناورات أمامها. (  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 9 / 12 / 2025 )

" الذئاب.. المنفردة " ؟!

الجدل الذي أحدثته جرائم " الذئاب المنفردة " أكثر صعوبة على الحل ، إذا تم تصنيفها ضمن حوادث الإرهاب و التطرف و العنف ؟!
إذا كان بعض الدول تحسبها كذلك و لو من باب الحيطة والحذر و التوجس ، فما هي إذن الجرائم المعتادة التي تقع في وسط أي مجتمع دون أن تفوح برائحة " الإرهاب " التي تزكم الأنوف ؟! 
و من تلك الجرائم ما وقع مؤخرا في " فرجينيا الغربية " عندما أصيب عضوان من الحرس الوطني بجروح خطيرة قرب البيت الأبيض في إطلاق نار، فيما قُبض على الجاني الذي يبدو أنه تصرف بمفرده، وأمر "ترامب" بنشر 500 جندي إضافي في " واشنطن " .( صحيفة نيويورك تايمز - 27 / 11 / 2025 )

لا للترحيب بالحلفاء ؟!

انعكاسًا لتصاعد التهديدات الإرهابية بالداخل الأميركي اكشفت  وزارة الأمن الداخلي (26 نوفمبر2025 ) أن مُطلِقَ النار على عناصر "الحرس الوطني" بالعاصمة، طالبُ لجوءٍ أفغاني -يدعى "رحمن الله لاكمال"- وصل البلاد عبر برنامج "الترحيب بالحلفاء" عام 2021 .
في ضوء الارتدادات المحتملة لـ"هجوم واشنطن" على أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء، تتصاعد مخاطر دفع "داعش" المزيد من أنصاره والمتأثرين بسردياته التحريضية لشن هجمات نوعية بالداخل  الأميركي ما قد يؤجج مستويات عنف جماعات اليمين المتطرف وأنصارها ضد المهاجرين، والعكس أيضًا. (  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية - 27 / 11 / 2025 ) 
و قد تنامت التهديدات الإرهابية بالداخل الأميركي ، كشف تقرير لموقع"TRAC"  (6 ديسمبر 2025 ) اعتقال السلطات عنصرًا إرهابيًّا -أميركي من أصول باكستانية-؛ كان يخطط لمهاجمة مركز شرطة بولاية ديلاوير، وبحوزته سلاح ناري ومعدات تكتيكية.
مع تكثيف السلطات الأميركية ملاحقاتها لذوي الأصول المهاجرة المرتبطين بأنشطة إرهابية، تتصاعد احتمالات تحفيز "داعش"، وغيره من التنظيمات الإرهابية، المتأثرة بالسرديات المتطرفة، وخاصة ممن يتخوفون من عمليات الترحيل لبلدانهم الأصلية، على التحرك ومباشرة هجمات فردية استعراضية، قبيل وصول أجهزة الأمن إليهم . (  مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية- 8 / 12 / 2025 )
كنا نلاحظ منذ عقود طوابير من البشر أمام السفارة الأميركية ، طمعا في الحصول على حق اللجوء أو فرصة عمل ، أو مجرد الوصول إلى أرض الأحلام للزواج بإمرأة أميركية من الجنسية الأميركية ، و من جملة هؤلاء الإيرانيين الذين تدفعهم دولتهم للهروب إلى الأمام ، و لكن جاء الوقت الذي ضاقت أميركا القارة بالمهاجرين ، و البحث عن مبررات طردهم إلى بلدانهم الأصلية ، بعد أن تبخرت  تلك الأحلام الوردية و بهت لونها .
و على ضوء ذلك أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أنّ نحو 55 إيرانيًا سيعودون إلى البلاد، بعد ترحيلهم من الولايات المتحدة، بزعم «انتهاكهم قوانين الهجرة».
تعكس الخطوة الحالية تصعيدًا في سياسة «ترامب» نحو تشديد غير مسبوق على الهجرة من دول العالم الثالث، مع توسيع عمليات الترحيل للمهاجرين غير النظاميين . (  مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية- 8 / 12 / 2025 )


" الكاريبي " على خط الصراع ؟!

هل يعيد ترامب عهد " نورييجا " من جديد في التعامل مع أميركا اللاتينية؟!
أو إشعال الصراع غير المجدي و لا و بالمبرر بين " الأميركتين " فضلا عن الدخول في حروب عبثية لا طال من ورائها غير الدمار الشامل للعيش المشترك ، و هي المناداة الإنسانية التي تعبر عنها ببساطة " Sharing is caring “ ، فأين أميركا التي تمثل رأس العالم الحر من هذا؟!
جاء ترامب في شعاراته الإنتخابية الأولى و الثانية لتصفير الحروب من حول العالم، و لم تمض على رئاسته الثانية 400 ، فإذا به يدعم توسعتها  من " غزة " المكلومة إلى أميركا اللاتينية؟! 
أعود قليلا إلى الخطة المئوية لأميركا حتى العام 3000 ، و قد انتهت من الربع الأول منها حتى اللحظة!
من هم خصوم أميركا وفق دراساتهم الإستراتيجية بعيدة المدى ؟! قلة ، على رأسهم اليابان، و المكسيك و تركيا فحسب !
أما اليابان فلا زالت ذاكرة " هوريشيما و ناجازاكي " راسخة في العقل الباطن للشعب ، و تريد أن ترد الصاع صاعين و لو بعد حين ، فحربها على أميركا ستكون عبر الفضاء، لأنها لا تملك من الأرض شيئا! 
و أما المكسيك فقد نالها المواجع الإسبانية منذ الفترة الأولى لولاية ترامب و لا زال السيل على الغارب حتى اللحظة و قد يستمر إلى حين ؟! 
ماضي المكسيك، قضم و استيلاء و اقتطاع أميركي من أراضيها و تحويلها إلى ولايات أميركية بالقوة العسكرية المفرطة، لو ضممنا اليوم " الهجرة " التي تسميها أميركا غير الشرعية و القرب الجغرافي عبر الجار بالخاصرة ، فالمكسيك هي الدولة الوحيدة المرشحة لغزو أميركا برا ؟! 
و أخيرا تركيا كيف ؟! قد يقول قائل مع وجود أكبر قاعدة عسكرية أميركية هناك " أنجرليك " !
نعم و قد وقع ذلك بالفعل عندما هاجمت إسرائيل  دولة قطر مع وجود قاعدة عسكرية أميركية، هذا أمر و ذلك أمر في دهاليز السياسة! 
وفق الخطة الأميركية المئوية، لن تحصل مواجهة عسكرية بين الطرفين، بل الأتفاق على تبادل المصالح، أميركا سوف تسلم تركيا سلة مصالحها في " أوراسيا " على أن توقف امتداد نفوذها في قارة أوروبا؟! 
و لن أسترسل  في هذا الجانب، و لكن سوف أحيل المهتم إلى كتاب " الأعوام المائة القادمة " لمؤلفه : د. جورج فريدمان
الطبعة : 2019
الناشر : دار الفرقد دمشق .
لمعرفة تفاصيل أكثر عن أميركا و سياساتها تجاه العالم خلال العقود المقبلة ، و ليس شرطا ان يتحقق ما في هذا التصور حرفيا، و لكن من متابعتي للربع القرن الحالي تم تحقيق أكثر مما هو مذكور في هذا الكتاب .

مصير .. مادورو ؟!

ذكرنا " نورييجا " في البدء ، و الآن نحن أمام " مادورو " و هو الأمر الذي لم يتكرر منذ عقود و لا أعرف ما السر في إعادة هذا السلوك السياسي غير المرغوب فيه منذ البداية ، بحق السيادة الوطنية و الإستقلال الذاتي و لا يتوافق مع شعارات الديمقراطية الأميركية ، ليس في فنزويلا فحسب ؟!
إذا بأي حق يضع ترامب  مهلة لمادورو لمغادرة " فنزويلا": نقل تقرير عن مصادر مطّلعة أن ترامب، أبلغ نظيره الفنزويلي، نيكولاس مادورو، خلال اتصال هاتفي في (21 نوفمبر 2025)، بأن أمامه نحو أسبوع لمغادرة البلاد برفقة عائلته إلى وجهة يختارها، مقابل "ممر آمن"، وأنّ رفضَ "مادورو" هذه الصيغة ضيّق خياراته بشكل كبير، فيما وُصف إعلاميًا بأنه "إنذار مباشر" للتنحي والمغادرة.
زعيمة المعارضة الفنزويلية تقول إن الرئيس "مادورو" سيغادر السلطة سواء جرى التوصل إلى اتفاق تفاوضي أم لا . ( رويترز - 13 / 12 / 2025 )
و دعى ترامب أيضا إلى اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا وحولها "مغلقًا بالكامل" أمام شركات الطيران والطيّارين و"تجار المخدرات والمتاجرين بالبشر"، في خطوة ربطتها تقارير بتصعيد الضغط بعد انتهاء مهلة "الممر الآمن".(   وكالة " رويترز " و منصة " تروث سوشال " - 3 / 12 / 2025 )
وفقا لبيانات موقع "فلايت رادار 24"، المتخصص في تتبع حركة الطيران حول العالم، تظهر خلو أجواء فنزويلا بالكامل من أي حركة للطائرات، على خلفية مخاوف من أن تنفذ الولايات المتحدة عملًا عسكريًا ضد البلد اللاتيني  . ( سكاي نيوز عربية - 23 / 11 / 2025 )
تصريحات عن أربعة مسؤولين أميركيين أن واشنطن تستعد لإطلاق "مرحلة جديدة" من العمليات المرتبطة بفنزويلا ، في إطار تصعيد الضغوط على حكومة مادورو، مع ترجيح أن تكون العمليات السرّية هي الخطوة الأولى.
و أصدرت "هيئة الطيران الفيدرالية" الأميركية (FAA) إخطارًا أمنيًا يحذّر جميع الطيارين من التحليق فوق فنزويلا بسبب "تدهور الوضع الأمني" و"زيادة النشاط العسكري" في محيطها، موضحةً أن التهديدات قد تطال الطائرات على مختلف الارتفاعات، وأن التحذير يسري لمدة 90 يومًا قابلة للتحديث .  (  وكالة رويترز - 23 / 11 / 2025 )
و طالب رئيس فنزويلا خلال المكالمة رفع العقوبات عن أكثر من 100 مسؤول متهمين بجرائم من قبل الولايات المتحدة (  رويترز - 3 / 12 / 2025 )

أين .. الحقيقة؟!

حقيقة الأمر بالنسبة لما يتعرض لها فنزويلا ، لا علاقة لها بشماعة كارتلات   المخدرات و تجارة البشر ، بل بالمخزون الهائل من ثروة النفط  الذي كان مادورو يوزعه على جيرانه الأحوج بالمجان ، و قد أبدت أميركا استياءها من هذا الكرم الفنزويلي ؟! 
و لو عدنا إلى ما يغذي اقتصاد هذا البلد اللاتيني لوجدنا بأن التركيز بالدرجة الاولى على النفط الذي يمثل 95 % من إجمالي الناتج المحلي .
فهي تُعتبر سادس أكبر عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). منذ عشرينيات القرن العشرين وهي دولة ريعية تقدم النفط بكونه صادرها الرئيس. من خمسينيات القرن العشرين حتى ثمانينياته . ( ويكيبيديا ) 
ماذا ينقص أميركا من ثروة النفط حتى ترى في نفط فنزويلا منافسا وجب وقفه عند حده ؟!
و الزائر لولاية لوس أنجليس لا تغيب عن ناظريه حقول النفط على مد البصر ، كأنها أشجار تزين هذه الولاية ، فماذا عن بقية الولايات و المخزون المحقون في آبار عملاقة تحت الأرض ؟! 
قبل عقود كانت تحركات الأسطول الأميركي في أي مكان تسمى استعراض للقوة ، و لكن اليوم لا ترحم عندما تبرز عضلات أسلحتها الفتاكة في وجه الخصوم و الأعداء ، إضافة إلى الحلفاء!
و لا تخرج تلك التحركات ضد فنزويلا عن هذا الإطار ، و من ذلك القبيل تحليق استراتيجي لقاذفات «بي-52» قرب فنزويلانفّذت قاذفات خلال الأيام الأخيرة عبر طلعات بعيدة المدى فوق البحر الكاريبي وفي محيط فنزويلا، في تكرار ثانٍ خلال أقل من أسبوع.

حتى العام .. 2028 !

و أظهرت سجلات تعاقدية أميركية وقراءات تحليلية صحفية أن وزارة الدفاع الأميركية تهيئ بنية لوجستية تتيح لها الإبقاء على انتشار عسكري معزَّز في الكاريبي حتى عام 2028 على الأقل.( 29 / 11 / 2025 )
قدّم وزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس الأركان إحاطة سرّية لثمانية من كبار قادة الكونغرس المعنيين بالأمن القومي حول الضربات الجارية.
و حلّقت مقاتلتان من طراز "إف/ايه-18" فوق خليج فنزويلا، في أقرب نقطة معروفة من الأجواء الفنزويلية منذ بدء الضربات.( 10 / 12 / 2025 )
القوات الأميركية تعترض ناقلة نفط خاضعة للعقوبات قبالة سواحل فنزويلا وتستولي عليها  ( بلومبيرغ - 10 / 12 / 2025 )
هذا في الوقت الذي يوافق فيه الرئيس الفنزويلي على إعادة تسيير رحلات إجلاء للمهاجرين الفنزويليين من الولايات المتحدة إلى فنزويلا . ( رويترز  -  3 / 12 / 2025 )
 و إدارة ترامب تفرض عقوبات على عدد من أقارب الرئيس الفنزويلي إضافةً إلى 6 سفن تحمل النفط الفنزويلي . (  أكسيوس 11 / 12 / 2025 )
إعادة تهجير المهاجرين غير الشرعيين كما يوصفون ، لم تصبح أمرا واقعا فحسب، بل سياسة غير مجدية للتعامل مع ملايين من البشر، على أساس من المهانة الإنسانية التي تتحكم فيها قرارات تنفيذية لترامب يتخذها ذريعة للتخلص من " العمالة الوافدة " من شتى بقاع الأرض سعيا وراء " الحلم " الأميركي الذي يحسبه الضمآن ماء ؟! 
و قد لحقت أوروبا بأميركا في ذات الوقت  حين مدّد الاتحاد الأوروبي عقوباته المفروضة على فنزويلا حتى يناير 2027، مؤكدًا استمرار انتهاكات الديمقراطية وحقوق الإنسان وقمع المعارضة.
هذا و قد وصلت طائرات ومعدات اتصالات عسكرية أميركية إلى جمهورية الدومينيكان، عقب منحها واشنطن حق الوصول المؤقت إلى قاعدة جوية و مطارها الدولي ( 15 / 12 / 2025 ) 
ترينيداد وتوباغو ستفتح مطاراتها أمام الجيش الأميركي مع تصاعد التوترات مع فنزويلا . (  يو إس نيوز- 15 / 12 / 2025 )

كولومبيا .. فنزويلا ؟!

و ليست فنزويلا هي الوحيدة في هذا الصراع الذي لا نود له أن يمتد إلى حرب لا تحتمله العالم و قد كثرت من حوله .
ترامب يلوّح بضرب دول «الكوكايين» بعد أن جدّد تهديده بأنّ الدول المتهمة بتصدير الكوكايين إلى الولايات المتحدة، وبينها كولومبيا، قد تصبح "هدفًا مشروعًا" لضربات عسكرية أمريكية ، الرئيس الكولومبي يحذّر من إيقاظ اليغور حذّر غوستافو بترو نظيره دونالد ترامب من أن تهديد كولومبيا عسكريًا "يوقِظ اليغور" وأنّ "الهجوم على السيادة الوطنية إعلان حرب". ( 6 / 12 / 2025 ) أميركا اليوم لم تعد تهتم بسيادة الدول ، و تلجأ سراعا إلى التهديد و الوعيد و الحروب المفاجئة بذرائع شتى ، و خاصة المخدرات في أميركا اللاتينية .
و يحسن هنا أن نُذكِّر بوضع الرئيس الفلبيني السابق " دوتيرتيه " ، الذي خاض حربا شعواء في بلده ضد تجار المخدرات ليجلب الأمن والأمان إلى مجتمعه ، و لم تشفع له أميركا في مصابه و هو اليوم يقبع في السجن بمحكمة الجنايات الدولية و قد بلغ الثمانين من العمر بتهمة قتل تجار المخدرات ، و لا نعرف كيف تتعامل أميركا في " اللاتين " و لا موقف  لها في " الفلبين " مع تشابه القضية ؟! 
هذا في الوقت الذي ترامب يصدر عفوًا عن خوان أورلاندو هيرنانديز، الرئيس الهندوراسي السابق، الذي أُطلق سراحه من سجن أميركي حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 45 عامًا بتهمة الاتجار بالمخدرات (واشنطن بوست - 3 / 12 / 2025 ) 
و قد لوّح "ترامب" بأن كولومبيا قد تكون الهدف التالي لحملته لمكافحة المخدرات بعد فنزويلا.
أعلنت واشنطن استيلاء قواتها على ناقلة النفط "سكِبّر" قبالة سواحل فنزويلا بدعوى خرق العقوبات، فيما ندّدت كاراكاس بالعملية. ( 11 / 12 / 2025 )

خاتمة .. استراتيجية ؟!

لقد أعلنت إدارة ترامب و نشرت " استراتيجية الأمن القومي " التي تلخص معظم ما تناولناه في هذا من مواضيع لا زالت قيد الجدال في الأوساط السياسية العالمية .
و يحسن بنا عرض موجز عن محتويات هذه الوثيقة التي تحدد مسار الأحداث المستقبلية للشأن الأميركي في العقود المقبلة!
وهي الوثيقة الرسمية التي يعلن من خلالها الرئيس وفريقه كيف ترى الولايات المتحدة العالم، وما الذي تعتبره تهديدا مباشرا لأمنها ومصالحها، وما هي أولوياتها في السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد والتكنولوجيا والحدود.  
الوثيقة تنطلق من فكرة أن الاستراتيجية يجب أن تكون محددة وواقعية وتُرتب الأولويات، وأن هدف السياسة الخارجية هو حماية المصالح القومية الجوهرية لا إدارة كل قضايا العالم. وتنتقد مرحلة ما بعد الحرب الباردة باعتبارها سعت لهيمنة عالمية مكلفة وغير قابلة للاستدامة، وأضعفت القاعدة الصناعية والطبقة الوسطى وسمحت للحلفاء بتحميل واشنطن كلفة دفاعهم. 
و هنا نعرض أبرز أولويات الولايات المتحدة:
‏ 1. الأمن الداخلي والحدود (الهجرة، الكارتيلات، إلخ)
‏ 2. نصف الكرة الغربي ( استعادة مبدأ مونرو )
‏ 3. الأمن الاقتصادي ( إعادة التصنيع، سلاسل الإمداد )
‏ 4. الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ
تحدد الوثيقة خمسة مصالح خارجية “أساسية وحيوية”:
‏ 1. نصف الكرة الغربي: كما كان متوقعا، تجعل الوثيقة من منطقة الأميركيتين أولويتها القصوى (عكس الوثيقة السابقة كانت الصين) وتؤكد أن الولايات المتحدة ستعمل على إبقائه مستقرًا وقادرًا على منع الهجرة الجماعية للولايات المتحدة، والتعاون ضد الكارتلات والجريمة العابرة للحدود، وإبعاد أي نفوذ/وجود “معادٍ” أو امتلاك لأصول استراتيجية، وضمان سلاسل إمداد ومواقع استراتيجية.
‏ توضح الوثيقة بشكل صريح أن هذا هو الهدف الأول للولايات المتحدة، مشيرة إلى أن واشنطن ستقوم الآن بـ “فرض وتطبيق ملحق ترمب لمبدأ مونرو.”
‏2. منطقة الإندو-باسيفيك (الهندي والهادئ): كبح الضرر الاقتصادي القادم من الخارج، وضمان حرية الملاحة وسلاسل الإمداد والمواد الحرجة.
‏ 3. أوروبا: دعم الحلفاء لحماية حرية وأمن أوروبا، مع تشديد على استعادة الثقة الحضارية والهوية الغربية.
‏ 4. الشرق الأوسط: منع قوة معادية من الهيمنة على المنطقة ومواردها وممراتها، وتجنب “الحروب الأبدية”.
‏ 5. التكنولوجيا والمعايير الأميركية: الدفع لأن تقود التكنولوجيا والمعايير الأميركية العالم، خصوصًا في الذكاء الاصطناعي والبيوتكنولوجيا والكمّ. 
‏وفيما يتعلق بالوجود العسكري، تقول الوثيقة إن ذلك يعني:
‏“إعادة ضبط وجودنا العسكري العالمي للتعامل مع التهديدات العاجلة في نصف كرتنا، والابتعاد عن المسارح التي تراجع تأثيرها النسبي على الأمن القومي الأميركي خلال العقود أو السنوات الأخيرة.”
و يلفت انتباه الخبراء أن الصين لم تعد تُصنف على أنها “التهديد الرئيسي” أو “التحدي الأكثر أهمية” أو “التهديد المُحدد للوتيرة” وهي تعبيرات كانت أساسية في الوثائق السابقة.
‏وبذلك تُخفض مكانتها الاستراتيجية بوضوح.
‏في المقابل الوثيقة لا تصف الصين كحليف أو شريك، بل أساسا:
‏ 1. منافس اقتصادي
‏ 2. مصدر هشاشة في سلاسل الإمداد (وإن كانت أيضاً شريكاً تجارياً)
‏ 3. قوة ينبغي—من الناحية المثالية—منعها من تحقيق الهيمنة الإقليمية لأنها تحمل آثاراً كبيرة، وبالتقرير إشارة إلى احتمال تفوق الصين عسكرياً حيث تذكر الوثيقة أن:
‏“ردع نزاع بشأن تايوان، ويفضل عبر الحفاظ على التفوق العسكري، هو أولوية.”
‏كلمة “يفضل” (ideally) تعني بوضوح أن التفوق ليس مضموناً.
‏كما أن وصف ردع النزاع بأنه مجرد “أولوية” يشير ضمنياً إلى أنه لم يعد مصلحة استراتيجية عليا كما كان يُنظر إليه سابقاً.
‏وتقول الوثيقة أيضاً إنه إذا لم يقم “حلفاء السلسلة الأولى من الجزر” بزيادة إنفاقهم العسكري والقيام بدور أكبر بكثير في الدفاع المشترك، فقد تكون هناك:
‏“موازين قوى غير مواتية لنا إلى درجة تجعل الدفاع عن تلك الجزيرة مستحيلاً.”
‏وتؤكد الوثيقة أن الولايات المتحدة ما زالت:
‏“لا تدعم أي تغيير أحادي للوضع القائم في مضيق تايوان.”
‏ثالثاً: غياب كامل للبعد الأيديولوجي تجاه الصين
‏على عكس الوثائق السابقة، لا توجد أي إشارة إلى:
‏ • “صراع الديمقراطية مقابل الاستبداد”
‏ • “النظام الدولي القائم على القواعد”
‏ • “معركة قيم”
‏تعامل الوثيقة الصين باعتبارها قضية عملية يجب إدارتها، لا عدواً أيديولوجياً يجب هزيمته.
‏وفي خطوة غير مسبوقة، تذكر الوثيقة صراحة أن السياسة الأميركية الآن:
‏ • “ليست مبنية على أيديولوجيات سياسية تقليدية”
‏ • وأن واشنطن “تسعى إلى علاقات طيبة وتجارية سلمية مع دول العالم دون فرض تغييرات ديمقراطية أو اجتماعية تتعارض مع تقاليدها وتاريخها”
‏ • وأنها تسعى إلى “علاقات جيدة مع الدول التي تختلف أنظمتها الحاكمة عن نظامنا.
‏وهو تحول مذهل عن الخطاب الأميركي على مدى العقود. ( National Security Strategy of the United States of America- November   178( 33Pages / 2025