الثلاثاء 25 نوفمبر 2025

أحمد شادي يكتب: دولة التلاوة..عندما يلتقي الجمال الإنساني بروح القرآن

باور بريس

في عالم يمضي سريعاً وتتداخل فيه الانشغالات المادية مع ضغوط الحياة، يظهر برنامج دولة التلاوة كمساحة نور تستعيد فيها الأمة صلتها بصوت القرآن وروحه. هذا البرنامج لم يعد مجرد منافسة صوتية أو استعراض لمهارات التلاوة؛ بل تحوّل إلى مدرسة إنسانية عميقة تتلاقى فيها القيم، والتنمية البشرية، والتحفيز الإيجابي.

من منظور التنمية البشرية، يقدم البرنامج نموذجاً فريداً في صناعة القدوة. فكل متسابق يروي حكايته مع القرآن، بداية من أول آية لمسَت قلبه إلى لحظة وقوفه أمام ملايين المشاهدين. هذه الحكايات تبني لدى الشباب رسالة قوية: أن النجاح يبدأ من الداخل… من قوة الإصرار، والصبر، والالتزام. إن رؤية شباب من مختلف البلاد العربية يجتمعون حول كتاب واحد تُذكّر بأن الهوية تتجاوز الحدود، وأن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرّقنا.

جمال البرنامج لا يقف عند حدود الصوت العذب، بل يمتد إلى عمقه الإنساني. طريقة التدريب، والتقييم، والاهتمام بالمتسابق كإنسان قبل أن يكون قارئاً، تعكس فلسفة جديدة في البرامج الدينية: فلسفة تضع الإنسان أولاً. فالمدربون لا يكتفون بتوجيهات فنية، بل يقدّمون دعماً نفسياً ومعنوياً يعيد تشكيل شخصية القارئ ويصقل قدراته.

ولذلك وجد البرنامج صدى واسعاً في الوطن العربي؛ فالجمهور لم يُعجب فقط بروعة الأصوات، بل بالفكرة ذاتها: فكرة تكريم القرآن من خلال صناعة جيل واعٍ، مثقّف، وواعِد. برنامج يجمع بين الإبهار المرئي، والإحساس الروحاني، والرسالة التربوية. حتى النقاشات التي تدور بين الناس حول المتسابقين لم تعد مجرد حديث عن الأصوات، بل عن القيم التي يمثلونها.

هذا الإعجاب العربي الواسع يبرهن أن الأمة لا تزال تبحث عن محتوى أصيل، عميق، ونظيف، محتوى ينهض بالروح قبل العقل. "دولة التلاوة" لم تقدّم فقط برنامجاً ناجحاً، بل قدّمت مشروعاً تربوياً يتجاوز الشاشة إلى القلوب. مشروعاً يعيد الثقة للشباب، ويمنحهم مساحة ليدركوا أن التفوق ليس حكراً على العلوم الحديثة وحدها، بل يمكن أن ينبع أيضاً من صوت يلامس السماء.

إن أجمل ما في البرنامج أنه يوجّه رسالة واضحة لكل شاب عربي:
إن أردت أن تكون عظيماً… فابدأ من ذاتك. وإن أردت أن تترك أثراً… فاجعل تلاوتك، أخلاقك، وصوتك رسالة خير.

هكذا، يصبح البرنامج ليس مجرد موسم تلفزيوني، بل دعوة مفتوحة لبناء الإنسان… الإنسان الذي يحمل القرآن خلقاً وسلوكاً قبل أن يحمله صوتاً.